امام الرئيس عمر الرزاز.. أحمد عبد الباسط الرجوب

96

امام الرئيس عمر الرزاز … الاحالات على التقاعد لمن بلغ سن الستين افرغت الحكومة مؤسسات الدولة من قباطين ادارتها وعبء اقتصادي على خزينة الدولة… المهاتير محمد ” التسعيني ” عاد ليقود ثورة اصلاح اداري وإقتصادي في ماليزيا …

كتب: أحمد عبد الباسط الرجوب

بداية ابعث لكم ولزملاؤكم في الحكومة التهاني بثقة سيد البلاد وحلول عيد الفطر السعيد ، وفي هاتين المناسبتين وعلى وقع التجاذبات على تشكيل حكومتكم قبل ايام معدودة وما تطالعنا به وسائل الاعلام المجتمعي من انتقادات على تشكيلها وخاصة طاقمكم الوزاري ” في جميع الاتجاهات شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ” وبكل الوان الطيف الصحفي ، وهنا وفي رأيي اقول للكتاب الصحافة وهواة الاعلام المجتمعي علينا ان نتريث جميعا ونعطي ” الفريق الوزاري القديم المتجدد والجديد بحلته ” الفرصة الكافية من الزمن واقلها (100يوم) حتى نرى خيرها من شرها ، وحتى لا اطيل ارجو ان ادخل في موضوع مقالي والذي تناولته في وقت سابق ” من خلال هذا الموقع الزاهر ” عندما اتخذ رئيس الحكومة السابقة ( الدكتور الملقي قدس الله سره) قرارا شفويا بإحالة كل من بلغ الستين عاما الى التقاعد ولو كان عبقريا او حتى اخترع البنسلين ، وبكل اسف هدر للخبرات وقتل للكفاءات…
على مدار السنتين الغابرتين من حكومة الملقي العتيدة كانت تطالعنا الصحف اليومية وعلى صدر صفحاتها قرارات مجلس الوزراء في بلادنا الاردنية بقوائم المحالين على التقاعد ومما يلفت الانتباه انها اتت بالعموم لموظفين بلغوا السن القانوني للتقاعد او من الموظفين المحالين على التقاعد بتوصية من مؤسساتهم لضعف ادائهم وحصولهم على تقارير اداء ضعيفة ومتكررة لاكثر من سنة ، (وهذا ليس ما اود سبر غوارة في مقالي هذا) ،  وايضا عدم اختلافي بأن التقاعد هو نظام عالمي ومطلب لتجديد الاداء وتطوير الاعمال واستدامتها ، اذ ان منظمات العمل الدولية حينما فسرت مفهوم التقاعد اوضحت ان الشخص عندما يصل سناً معينة يفترض عليه ان يرتاح لان هناك موازنة ما بين المصلحة العامة للدولة وانتاجية الفرد والمصلحة الخاصة للفرد ، وهنا فإنني لست معنيا بتناول موضوع الاحالات على التقاعد في الظروف الطبيعية وفقا للوائح قوانين الموارد البشرية في الوزارات والمؤسسات الحكومية وما يهمني كمتابع للحالة الادارية في مؤسساتنا الحكومية هو احالة كل من بلغ 60 عاما في عمرة على التقاعد ومنهم من المتميزين في عملهم ولديهم كامن الطاقات والمبادرات الشخصية والذين يعتبروا من الاصول القيمة للمؤسسة (Asset Value)والقادة الذين لهم رؤية شمولية في قيادة الاعمال ونقل خبراتهم لمن يليهم وفي ذلك استمرار في نهج اندفاعية عمل واداء المؤسسات لتنفيذ برامجها بقوة واقتدار.

وهنا وباعتقادي بأن احالة قادة الجهات الحكومية من ذوي الخبرات المتميزة ممن تجاوزوا الـ 60 عاما في اعمارهم للتقاعد وركنها (على الرف) بعد اكتسابها للخبرات الميدانية وقضائها لعقود من الزمن في خدمة مصالح مؤسساتها يعتبر فقدان هذه المؤسسات لمثل هذه العقول المتشبعة بحلول ومهارات اهل الميدان وللقدرة على معالجة الامور العالقة بوجهات نظر ثاقبة ووضع خطط واستراتيجيات تُبنى على أسس متجذرة بمعايشة واقعية يومية للشؤون الوزارية ، ويعد من اكبر الخسارات التي تلحق بالكادر الوظيفي للدولة ولأي وظيفة كانت ” بدون تحديد المهنية ” حيث تعتبر المؤسسات والشركات العملاقـة على المستوى العالمي بــان هؤلاء الخبرا هم بمثابة مــراكز التفكير ( Think Tanks) أو صناديق الفكر (brain boxes) لإعطاء النصح ودورهم في التأثير على صنع السياسة لاية قضية او مشكلة تتعرض لها اي مؤسسة كانت… كما يعلم الجميع عودة السياسي المخضرم الاسطورة مهاتير محمد في سن الثانية والتسعين رئيسا للوزراء مجددا في ماليزيا ليقود ثورة اصلاح اداري في بلادة ، وهو لم يترك السياسية حتى في تقاعده ، فقد دأب على توجيه الانتقادات علنا لخليفته عبد الله بدوي ، الى ان قاد مؤخرا معركة انتخابية بتآلفة مع احزاب المعارضة وحققوا فوزا كاسحا تاريخيا في التاسع من مايو/آيار 2018 وأطاح بحلفائه السابقين بعد أكثر من 60 عاما في السلطة بارادة شعبية واخذ زمام المبادرة بمحاربة الفساد والفاسدين واسترداد كل الاموال المنهوبة من المنتنفذين وعلى راسهم رئيس الوزراء الاسبق نجيب عبد الرزاق ، فهل نتخذ العبرة من الماليزيين يا اهل العزم ويا دولة الرئيس ، وكما قيل الكبر حالة وليست سنا…

ولما تقدم وفي رأينا يعتبر التقاعد هدر للطاقات وفقد للخبرات ، فقد افرغت الحكومة مؤسسات الدولة من قباطين ادارتها خاصة في هذا الوقت الذي تقدمت وتطورت فيه الحالات الصحية واستمرار الشباب لوقت أطول – مع ارتفاع معدل عمر الرجال والنساء الأردنيين الى ما يقارب 75 سنة – ولا يقارن بما سبق من الأزمنة التي أعد فيها نظام التقاعد كون الحال تغير واصبح الموظف أيا كان عمله واختصاصه قادر على العطاء والتطور ، لذا من الضروري إعادة النظر في نظام التقاعد وفق المعطيات الحالية والتركيز للاستفادة من خبرات الموظفين وعطائهم وتوظيف كل ذلك في خدمة الوطن وبرامج التنمية الوطنية … وكما تعلم دولة الرئيس بأن سن الأربعين وما حوله يعتبر السن المثالي في النضوج والكمال ، وما ذكر سن الأربعين في سورة الاحقاف إلا دليل على أنه سن استيفاء كمال العقل والفهم ، وذروة تمام نعمة الله على الإنسان في كمال القوى التي منحه الله إياها ، وهي مرحلة زائدة على بلوغ الأشد الذي يتم ببلوغ الحلم ، يقول الله عز وجل : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ …) [سُورَة الأحقاف:الاية 15]

وتعقيبا على ما تقدم فإننا نضع امام شاهدكم دولة الرئيس بعض الاقتراحات لتجاوز قضية التمديد للخبرات المهنية المحترفة وهى ابتدءً:

1. التمديد للموظفين من اصحاب الخبرات المتراكمة “حسب كل حالة ” واستثمار عطائهم في شغل وظائفهم في المؤسسات التي يعملون بها.

2. دراسة مدى جدوى تمديد سن التقاعد إلى 65 عامًا لموظفي الدولة عموما (كان متوسط عمر الإنسان قبل 60 عاماً في الأردن50 عاماً) وكان يعتبر كل من تجاوز الخمسين عاما في عمرة على أنه طاعن في السن وآن الأوان لاستراحتة ، اما اليوم وحسب دارسة معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن تحت عنوان  ” الحالة الصحية في العالم العربي , تحليل عبء الأمراض والإصابات وعوامل الخطر منذ 1990 حتى2010. ” ونشرت بعض نتائج هذه الدراسة في مجلة لانسيت كجزء من سلسلتها المخصصة للصحة في العالم العربي وأظهرت الدراسة ارتفاع معدل عمر الرجال الأردنيين الى 75.7 سنة ، كما أظهرت ارتفاع معدل عمر النساء الأردنيات الى 75.1 سنة ،  وعلية فإن تقاعد الموظف في سن الستين لم يعـد مقبولا لأنه ما زال في صحته واوج عطاءة).

وللتنويه فإن بعض الدول العربية ودول العالم قد رفعت سن التقاعد 65 – 70 عاماً ، فمثلا :
– في تونس توصّلت الحكومة إلى اتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل على الترفيع “إجباريّا” في سن التقاعد في القطاع العام إلى حدود سن 62 عاما واختياريا إلى حدود 65 سنة وذلك بداية من2020.

– في لبنان 64 سنة وفي اميركا 66سنة ، ويتوقع ان يبلغ سن التقاعد 67 سنة في العام 2022.
– في بريطانيا أكد رئيس إدارة المعاشات البريطانية ديفيد نورغروف بأن الدولة يمكن أن ترفع سن التقاعد إلى 70 عاما، بدلا من السن الحالي، وهو 60 عاما للنساءو65 عاما للرجال حيث صرح نورغروف لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن سن التقاعد يمكن أن يرفع إلى 70 عاما نتيجة زيادة متوسط أعمار ملايين الأشخاص، وقال “بهذا الشكل سيضطر الاشخاص للعمل مدة أطول، ونحن كحكومة لن نقوم بالتوفير لدفع المعاشات مثلما كان يحدث في الماضي..
– وفي المانيا اقرت السلطة التشريعية في ألمانيا قانونا جديدا يرفع سن التقاعد من 65 إلى 67 عاماً وقد بدأ تنفيذ هذا القانون بشكل تدريجي خلال الفترة من2012 وحتى 2029 ،
وهذا ما يوضح ارتفاع تكلفة المتقاعدين على خزانة الدولة الاردنية عاماً بعـد عام ، بحيث تصل إلى حوالي (500 مليون) أي نصف مليار دينار في السـنة او يزيد عن ذلك ، اذا ما اعتبرنا ان المتقاعد يعيش في المتوسط لعشرين عاماً بعد تقاعدة ويتقاضى راتبا تقاعديا له ولورثته من بعدة أضعاف اشتراكاته بالضمان الاجتماعي أوصندوق التقاعـد المدني.

وعلى هذا الاساس، يأتي الاتجاه العام في تمديد سنوات العمل وعلى المستوى العالمي خصوصا في ظروف تباطؤ الاقتصاد وتراجع القوى العاملة مما سوف يساعد في دعم النمو الاقتصادي، خصوصا في الدول التي تشكو من نسبة كبيرة من كبار السن ضمن مواطنيها. والاتجاه هو في رفع سن التقاعد بصورة تدريجية حتى سن الـ 70 مما سيخفّض مدفوعات التقاعد والضمان الاجتماعي بحسب دراسة متخصصة في هذا المجال  بنحو 13 في المئة عموما.

ختاما فإن إحالات الكفاءات على التقاعد وان بلغت أو ” طافت ” سن التقاعد القانوني  يفقد الوطن الكثير من الخبرات وعبء اقتصادي على خزينة الدولة ، وهو مناف للمصلحة الوطنية برأيي ونضع هذه المسألة امامكم ” دولة الرئيس الرزاز ” مصلحة وطنية 100% بامتياز ، وبما ان الواقع هو ان الناس باتوا يعيشون مدة اطول فان عليهم ان يشاركوا جزئيا في تحمل كلفة هذه الحياة الاطول من خلال استمرارهم في العمل ، راجيا لك من الله التوفيق في مسعاك لخدمة وطننا الحبيب لانه دوما يستحق الافضل…

السلام عليكم ،،،
arajoub21@yahoo.com

اترك رد