الأردنيّون ومعضلة “النسيب ” و”الكنّة”…

82

كتب: د. محمد علي يوسف عكور

ساقتني قدماي إلى المحكمة الشرعية للاستفسار عن شيء يخصّ أحدهم ، فإذا بي أمام مشهدٍ يُدمي قلبَ كلّ ذي شعور.

لقد تحطّمت أسرة على صفحات الكاتب حُكماً بالطلاق …بعد سماعي لسبب الطلاق ، نظرتُ في عيون الرجل المُطلّق وقرأتُ فيها ندما يكاد يقتله، وكأنه ينعي نفسه بقول قيس بن ذريح حين طلّق زوجته:
كمغبونٍ يعضّ على يديه…
تبيّن غبنه عند البياع…
ورأيتُ في عيون زوجته حزنا يلفّها وطفليها بدثار الألم الواخز في أعماق فؤادها . ولكنّ الذي استدعى إلى مخيلتي كلّ أشكال العيب والاشمئزاز ، هو فرحة الانتصار على وجه أبي الزوجة ، فقد كان أشبه بمصارعٍ طاوعته الحلبة وانحنى خصمه أمامه مكسورا بسيف القضاء….
نعم يا سادتي… لقد جزّ وتينَ كياني طفلان كالقمرين يسطعان رغم الغيوم الظالمة التي صنعتها مكائد الزوجين وأهليهما، فما ذنبهما ليتيها في صحراء الطلاق، وما الذي اقترفته طفولتهما في براءتها ، ليكونا وقود تصفية الحسابات…؟ وتذكرتُ ساعتها بيتاً من قصيدتي المهداة لأطفال العراق:
روحي فدا الطفل من جَورٍ يصارعُهُ…
يبكي أَمِن يده أم صولةُ القدرِ…؟
كثيرٌ من الأردنيين يعيشون ثنائية قوامُها التناقضُ الفاضح الغشوم ، يريدون لزوجة ابنهم” الكنّة” أن تكون كالسبيّة في ميدان الولاء لانتفاخ نفوسهم ، ويريدون لزوجها”ابنهم” أن يكون فرعونَ الهوى ، وهي في مجاملتها لتلك الحال تتمثل قول هند في الحجّاج:
وما هندُ إلا مهرةٌ عربيّةٌ…
سليلةُ أفراسٍ تحلّلها بغلُ…..
ويريدون لزوج ابنتهم “النسيب” أن يكون دجاجة وادعةً مدجّنة في قُنّ سيطرتهم ، فيجب أن ينسى أمّه ويسجد في محراب حماته ، وأن ينسى أهله ويكون تابعا لهم من غير أولي الإربة ، وأن يكون غائبا في حضورهم ، وحاضرا في غيبة أهله،يريدونه إمّعةً لا ينبسَ ببنت شفة. وحاله في مداراة زوجته تضجّ بقو ل الشاعر:
لقد كنتُ محتاجا إلى موت زوجتي…..
وَلَكِنْ قرينُ السوء باقٍ مُعَمّرُ…
لقد وصف الله ارتباط الأزواج بقوله” وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنَ منكم ميثاقا غليظا”، فهذا الميثاق لا يُنقضُ إلا إن خفنا ألّا يقيما حدود الله، وليس لأسباب تافه ، فقد صار الطلاقُ والزواجُ لعبة تتقاذفها مصارعات سخيفة ، ومحور هذه المصارعات هو سعيُ الزوجة وأهلها لأن تكون”الزوجة” مشروع رجل فاشل تفعل ما تشاء وتبسط سيطرتها الوهمية ، وسعيُ الرجل وأهله لأن تكون زوجته سبيّة للتمتع بإمكاناتها وراتبها ، وهذه المصارعات تقود إلى فساد رابطة الزوجية حتى تتفشى الخيانات والتجاوزات والمشاكل الأخرى التي تشكّل منظومة من أسباب الطلاق….
لقد تحولنا بالزواج إلى مقدمةٍ للطلاق، لأننا لا نحتكم إلى شريعتنا ، بل نحتكم إلى الهوى والموضة والإنترنت . ولعل أبا العلاء المعرّي كان مستحضرا حالتنا هذه حين رفض الزواج واعتبره جناية، في مقولته الشهيرة: هذا ما جناه أبي عليّ وما جنيتُ على أحد…
مع الاحترام للمنصفين الحكماء…

اترك رد