أداء الحكومة
الأردن اليوم – فراس البريزات
طرق تقييم أداء الحكومة كثيرة؛ من بينها محاسبتها بشكل مؤسسي ومنهجي من قبل مجلس النواب وهذا هو الباب الدستوري والقانوني للمحاسبة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وفي ظل ضعف الدور الرقابي لمجلس النواب، بحسب المواطنين ومن خلال استطلاعات الرأي، يبقى المجال متاحا أمام استخدام أدوات محاسبة أخرى منها؛ مؤشرات قياس الأداء الذاتي التي ينبغي أن تقوم الحكومة بها. ولكن التجارب الحكومية في هذا الجانب لم تعمر طويلا. إذ تعتمد على الرئيس وقام بذلك فقط رئيسان وذهب الاستثمار في هذا النظام سدى وهدرت موارد عامة وأموال دافعي الضرائب لأن المحاسبة ضعيفة أوغائبة داخل مؤسسة الحكومة ومن خارجها.
أدوات المحاسبة الأخرى تأتي من الاعلام ووسائله المتعددة بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يطبق أغلب مستخدميها قواعد مهنية ولذلك تبقى غير موثوقة. إلا أن النهضة المهنية التي تفرضها المنافسة بين وسائل الاعلام التقليدية تبشر بتطوير أدوات رقابة أفضل وأكثر مهنية بعيدة عن الشخصنة والابتزاز.
تقييم الأداء من خلال استطلاعات الرأي العام هو أحد الأدوات المفيدة جدا، لأنه يضع سلطة التقييم المعنوية بأيدي المواطنين وهم دافعو الضرائب والناخبين ومتلقي الخدمة ومصدر شرعية الحكومة وسلطتها المبنية على وجود مواطنين عليهم واجبات ولهم حقوق بموجب الدستور والقانون.
أفضل طريقة لتقييم أداء الحكومة تكون باستخدام الأدوات كافة لتقييم “عملية الحكم” Evaluation of Governance Process و”أثر سياسات الحكم العامة” Impact Evaluation Policy. الإدارة الجزئية التي تمارسها الحكومات للشؤون اليومية تترك التقييم الكلي بأنواعه كافة غير منجز، وهذا مؤشر ضعف إرادة وإدارة في آن معا وليس مؤشر قوة. القوة بالوضوح والشفافية وليس بالاحتكار والغموض والهروب إلى التعمية والتعالي والنظر للناس من الأبراج العاجية والنوافذ على إطلاق دلالاتها. الحكومة مدعوة لتطوير منظومة متكاملة لدعم القرار بإدخال أدوات التقييم القبلي والموازي واللاحق للتنفيذ من خلال المنهج العلمي وتوظيف التكنولوجيا للتغلب على الصعوبات التي حالت سابقاً دون اتمام هذا النظام المهم لزيادة فعالية الحكومة وضبط وترشيد النفقات العامة.
لو أن مثل هذا النظام موجود ومفعل ويستخدم للمحاسبة لكانت النتائج أفضل. ولربما كان تقييم الناس لأداء الحكومة من خلال الاستطلاعات أقل تشاؤماً. إذ قيم ثلثا الأردنيين أن الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ بحسب استطلاع تقييم أداء الحكومة بعد 200 يوم الذي نشره مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الأربعاء الماضي. ولهذا أسباب جلها اقتصادية وثانيها أهمية هو مدى اعتقاد الأردنيين بانتشار الفساد.
هذه المؤشرات لها ارتباط مباشر بأداء الفريق الوزاري المعني بتصميم وتنفيذ السياسات العامة. إذ انخفض تقييم أداء الفريق الوزاري لحكومة الدكتور عمر الرزاز من 48 % (التوقعات بالنجاح عند التشكيل) أي 30 % بعد 200 يوم على التشكيل. وبالنظر لفترة زمنية أطول فقد انخفض تقييم أداءالفريق الوزاري للحكومات من 71 % في حكومة الدكتور عبدالرؤوف الروابدة، وهي النسبة الأعلى منذ العام 1999، إلى 30 % بعد 200 يوم على تشكيل حكومة الدكتور الرزاز. ولم يقتصر هذا التقييم على العامة، بل سار بنفس الاتجاه لدى النخب إذ انخفض من 63 % العام 1999 (الروابدة) إلى 35 % (الرزاز) وهي 15 نقطة أقل من هاني الملقي بعد200 يوم على تشكيل حكومته.
يمكن للحكومة أن تقوم بعدة أفعال تساعدها أمام الرأي العام؛ الاستجابة لنحو 90 % من النخب و 80 % من العامة بتبادل السفراء مع سورية. وبما أن الأغلبية الكبرى (أكثر من 90 %) من العامة والنخب تعتقد بأن الفساد منتشر جداً ومنتشر إلى حد ما (وهي النسبة الأعلى منذ العام 2011)، وتعتقد الأغلبية (أكثر من النصف) من الفئتين أن الحكومة غير جادة بمحاربة الفساد، ينبغي أن تبدأ الحكومة بنفسها وتحاسب مقصريها وهي تعرفهم جيداً وبماذا قصروا. كما أن التغلب على الاوضاع الاقتصادية السيئة يتطلب شجاعة وجرأة حكومية بالبدء بمشاريع بنية تحتية كبرى من خلال جذب الصينيين، أو غيرهم، لبناء سكك الحديد والمدن السكنية وفكفكة طلاسم قطاع الطاقة وتخفيض أسعارها وتحلية المياه وبناء المغطس كوجهة سياحية للحج المسيحي.
* رئيس مجلس إدارة نماء للاستشارات الاستراتيجية.