79

الأردن اليوم – حسين هزاع المجالي

ثمة مؤشرات تدفع على التفاؤل بالمستقبل الأردني بعد أن عانى خلال الفترة الماضية من ضغوط كبيرة أثرت على الواقع الاقتصادي والمعيشي.

وإن كانت العوامل التي أثرت سلبا على الاقتصاد باتت معلومة للغالبية والتي منها موجات الربيع العربي وإغلاقات الحدود وما نتج عنها من ضعف التصدير إضافة إلى انقطاع الغاز المصري وارتفاع كلفة فاتورة الطاقة.

إلا أن بعض تلك العوامل بدأت تشهد انفراجة ما سينعكس على الاقتصاد الوطني بكل تأكيد، ومنها التطور الحاصل في العلاقة مع الشقيقة العراق والتوقيع على سلسلة من الاتفاقيات والتي جاءت نتيجة الزيارة الملكية مؤخرا.

وأيضا، على صعيد الطاقة، وهو التحدي الأبرز الذي واجهناه، فإن مؤشرات التفاؤل بدأت مع عودة ضخ الغاز المصري، إضافة إلى اتفاقية التزود بالنفط العراقي، والسير قدما بملف الأنبوب النفطي الذي يصل العراق بالأردن، فضلا عما لدينا من مشاريع وطنية كالطاقة المتجددة التي يجب التوسع فيها وطاقة الكهرباء المنتجة من الطاقة النووية التي يجب استكمالها لتكون مشاريع وطنية تساعد على توفير طاقة الكهرباء والتخفيف على الفاتورة النفطية التي أثقلت كاهلنا خلال الأعوام الماضية.

تلك المؤشرات الإيجابية، تجعلنا متفائلين بالمستقبل، غير أنها تحتاج إلى الكثير من العمل لتنتقل من مجرد مؤشرات إلى تحسن ملموس ينعكس على الاقتصاد الوطني ويشعر به المواطن، وهذا ما هو مهم.

إذ، لا معنى لأي تحسن على الواقع الاقتصادي إن لم يشعر به المواطن الذي تحمل الكثير خلال السنوات الماضية، وهذا التحسن لا يجب أن ينعكس فقط على الأسعار بل لا بد أن يساهم في زيادة معدلات تشغيل المتعطلين عن العمل، باعتبار البطالة تحد يؤرق الجميع.

وزيادة التشغيل يأتي عبر التوسع في تشجيع الاستثمار الأجنبي، عبر اتخاذ سلسلة من الإجراءات العملية التي تغري المستثمر حقا للاستثمار في بلادنا.

إن الأمن والأمان، قيمة عظيمة بالنسبة للمستثمر، غير أن التجربة أثبتت أنها ليست المعيار الوحيد الذي يبحث عنه المستثمر، والدليل أن بلادنا والحمد لله واحدة من أكثر البيئات استقرارا وأمانا في المنطقة، غير أن حركة الاستثمار ما زالت دون المأمول.

فثمة عوامل مختلفة تشكل معوقات أمام قدوم المستثمر الأجنبي، منها ارتفاع كلفة فاتورة الطاقة، وارتفاع كلفة أجور العمالة بالمقارنة مع بعض الدول المحيطة، فضلا عن عدم الاستقرار التشريعي لدينا، اذ ليس من المعقول أن يتم فتح قانون الضريبة مثلا مرات عديدة خلال سنوات قليلة، فهذا ما يربك المستثمر ويجعله غير قادر على وضع خطط طويلة الامد لتنمية استثماره.

إن معالجة مشكلة ارتفاع تكلفة العمالة يكون عبر تحسين مستوى المعيشة للأردنيين، عبر تخفيضات جريئة للضرائب غير المباشرة، وتخفيضات على بعض الرسوم، بحيث تزداد القدرة الشرائية لدى المواطن، وهو ما يجعله قادرا ولو بالحد الأدنى على تكييف نفقاته مع ما يأتيه من دخل، وذلك من شأنه أن يساهم في تحريك الأسواق ويبعدها عن حالة الكساد.

تشجيع الاستثمار أيضا يحتاج الى قرارات حكومية جريئة وشفافة تقضي على البيروقراطية وتقدم تسهيلات للمستثمرين، وتكون تلك التسهيلات قادرة على المنافسة مع ما تقدمه بعض دول الإقليم من إغراءات، وذلك لانها تعي مدى قيمة الاستثمار الأجنبي ومدى قدرته على تحسين واقع الاقتصاد الوطني بما يدر على الخزينة وبما يساهم فيه من تشغيل الأيدي العاملة والتخفيف من تحدي البطالة والفقر.

المستقبل اليوم واعد أمامنا، وهو ما يحتم علينا استغلال الفرصة المتاحة وعدم التردد في اتخاذ المناسب من القرارات، وهذه الفرص يدعمها الانفراجة التي يشهدها الإقليم سواء على صعيد الملف السوري الذي يشهد تقدما إيجابيا أسفر عن فتح الحدود بين دولتينا والعودة التدريجية للتبادل التجاري بالإضافة إلى أن قطاعات مهمة لدينا مرشحة للاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار.

هذا جانب، ومن آخر، فإن الزخم الذي شهدته العلاقة مع الأشقاء في العراق والذي تجسد بالزيارة الملكية من شأنه أيضا أن يساهم في زيادة معدلات حركة التجارة البينية وأن يعالج بعض الملفات الاقتصادية المهمة التي تعود بالفائدة على اقتصاد بلدينا.

كل تلك المؤشرات، بالإضافة إلى تحسن الواقع الأمني في العراق وسوريا يدفع إلى تعزيز حالة الأمن والطمانينة التي نعيشها في الأردن، وهو ما يعد حافزا مهما لنمو الاستثمارات وهذا ما يجب أن لا نفرط به أبدا، فالفرصة متاحة أمامنا ولا يجب أن نتخلى عنها أو التردد في المضي قدما ليصبح التفاؤل بالمستقبل أمرا واقعا وملموسا من جميع النواحي، هذا فضلا عن الحظوة الأردنية لدى الأشقاء في الخليج العربي الذي تعتبر بلادهم مقصدا مهما لمواردنا كوادرنا البشرية.

والتفاؤل بالمستقبل لا ينحصر فقط بالجانب الاقتصادي فحسب، وإن كان مهما وضاغطا في هذه المرحلة، بل إنه يتعدى ذلك إلى المستوى السياسي الخارجي والداخلي.

فيما تعلق بالخارجي، فإن التحدي الذي كان قائما فيما تعلق بصفقة القرن يبدو أنه بدأ بالتلاشي بالتأجيلات الأمريكية المتكررة للإعلان عن موعد اطلاقها، حتى بات الكثيرون يقولون إن حكومة إسرائيل باتت غير متحمسة للصفقة لاعتقاد لديها أنها لا تلبي طموحها، وفي الوقت ذاته يرفض الفلسطينيون ما رشح عن الصفقة باعتبارها تلغي حقهم في الحصول على ما نصت عليه اتفاقية السلام وملحقاتها.

وفي الواقع، فإن الجهد الملكي كان واضحا وحاسما في هذا الملف على وجه التحديد بما أظهره من صلابة في الموقف الرافض لإعلان الرئيس الأمريكي القدس عاصمة لإسرائيل، وفي حراكه الإقليمي والدولي لتسليط الضوء على القضية الفلسطينية باتجاه عودة المفاوضات إلى مسارها عبر خيار حل الدولتين. وهذا من شأنه أن يخفف الضغط على الأردن باعتبار القضية الفلسطينية قضية أردنية داخلية.

أما ما تعلق بما هو داخلي، فإن عملية الإصلاح لم تتوقف، غير أن التحسن في الواقع الاقتصادي من شانه أن يعطيها زخما أكبر، لنكون أمام قانون انتخاب جديد وطموح ينبثق عنه برلمان سياسي لا يتجاوز عدد النواب فيه على ثمانين نائبا، في وقت بات من الضروري جدا إجراء تعديلات على قانون اللامركزية لتفعيل دورها أكثر بتحديد مهام نائب اللامركزية بشكل أوضح لفك الشراكة في الخدمات بين نائب اللامركزية ونائب مجلس النواب، الذي يجب أن يظل الأخير متفرغا للرقابة والتشريع.

غير أنه يبقى على الأحزاب مهمة في تحسين صورتها وأدائها بحيث تكون مؤثرة في المشهد السياسي وقادرة على الوصول إلى المجالس المنتخبة، وهذا لا يكون إلا بخطوات جريئة باندماج بعضها البعض لنكون أمام عدد محدود من الأحزاب لكنه ذا أثر كبير وفاعل في المشهد السياسي، إذ لا معنى للكثرة إن ظلت من دون أثر أو ظل أثرها وفعاليتها محدودة.

وفي هذا الجانب، فإن إجراء تعديل على قانون الأحزاب بات ملحا، وتحديدا ما تعلق بملف الدعم الحكومي، الذي يجب أن يتوجه إلى الأحزاب الفاعلة والقادرة على إيصال ممثلين عنها إلى المجالس المنتخبة، لأنه من غير العدل دعم الجميع دون أن يكون للكثير دور واضح في تنمية الحياة السياسية والحزبية.

أقول إن الفرص متاحة أمامنا لتحسين واقعنا وأن المستقبل واعد ويبشر بالخير، لكن نحتاج إلى الكثير من العمل الجاد حتى نحول تلك الفرص إلى واقع ملموس.

اترك رد