عوني مطيع والأسئلة العالقة
الأردن اليوم – رومان حداد
ما زالت قضية عوني مطيع أو مصانع الدخان المهرب تشغل الرأي العام الأردني، وما زال أي تسريب يتعلق بهذه القضية يأخذ صدى واسعاً لدى العامة والنخبة على حد سواء، وذلك لعدة أسباب أبرزها أن الأردن لم يشهد تاريخياً محاكمة لقضية فساد بهذا الحجم، وبهذا العدد من الأشخاص، وتحديداً من الأشخاص الذين تولوا المسؤولية العامة ولسنوات طويلة.
ويبدو أن من يراقب المزاج العام الأردني يشعر بتعطش كبير لمزيد من الأخبار ومزيد من الشخصيات المتورطة بالقضية، وهو ما فتح الباب لتداول إشائعات حول مجموعة كبيرة من الأسماء التي شغلت مناصب عليا ومؤثرة، وتم صياغة الأخبار المتعلقة بتورطهم بالقضية بصورة تحاكي المخيلة الشعبية، وتشبع النهم الشعبي لسقوط شخصيات من الوزن الثقيل.
على الدولة بمؤسساتها الرسمية ذات العلاقة بالقضية أن تعمل بسرعة للإجابة على مجموعة أسئلة تدور في عقول الأردنيين ويتداولونها همساً في أغلب الأحيان أو بصوت مسموع في أحيان قليلة، فالإجابة الواضحة والدقيقة على هذه الأسئلة وتقديم التوضيحات الضرورية من خلال سردية منطقية ومقنعة ستقلل من الفجوات النفسية عند الأردنيين المتعلقة بهذه القضية، وهو ما سيقلل عدد الإشائعات حول ذات الموضوع وكذلك سيخفض بصورة ملحوظة حجم التفاعل مع كل إشاعة.
ومن أبرز الأسئلة التي ترد على بال الأردنيين هو عن سبب محاكمة مسؤولين تولوا مسؤولياتهم الرسية خلال عام 2016 وما تلاه، ولم يتم ذكر أي مسؤول تولى المسؤولية منذ عام 2004وحتى عام 2016، مع العلم أن قضية مصانع الدخان المهرب تعود حتى عام 2004.
وبالتالي يكبر السؤال حول ماهية الشخصيات الرسمية التي يتم حمايتها من خلال القفز عن المرحلة التأسيسية لمصانع الدخان ومرحلة صناعة قوتها على الأرض، فغياب التحقيق مع الشخصيات الموازية للشخصيات الموقوفة على ذمة القضية ممن احتلوا ذات المناصب منذ عام 2004 حتى عام 2016 يبدو للوهلة الأولى وكأن ملف القضية ناقص بحاجة لتتمة، أو على الأقل أن يخرج علينا مسؤول ليبرر هذه الفجوة الزمنية في تحميل المسؤولية.
فإذا أرادت الدولة أن ترسل رسالة واضحة للجميع، وهي أن القانون هو السيد ولا أحد في الأردن فوق القانون، فعليها طمأنة المواطنين أن الدولة تقف على مسافة واحدة من الجميع ولن تشكل غطاء لحماية أشخاص دون آخرين، ولن تستخدم مكافحة الفساد لأسباب كيدية أو لتصفية حسابات سابقة، حيث تبدو هذه هي الخطوة المفصلية لاستعادة الدولة هيبتها، وسلاحاً مهماً للتصدي لكل من يتجرأ على الدولة.
من الضرورة الاهتمام بكيفية إدارة هذه القضية أمام الرأي العام، من خلال العمل على التحصن بمجموعة قوانين تدخل في منظومة النزاهة، وتحديث قانون حق الحصول على المعلومات بصورة تتجاوز العيوب الظاهرة والكثيرة في القانون الحالي.
كما على الدولة أن تراعي في حربها على الفساد أمراً حساساً وهو ألا تقود هذه الحرب إلى فقدان الثقة بالدولة لدى المواطنين والمستثمرين، فانتشار محاكمة الفاسدين يعطي انطباعاً عاماً أن الفساد تغلغل إلى مختلف مفاصل الدولة، وهو ما قد يفقد المواطن ثقته بالدولة أو بقدرتها على التعافي، مما يعطي أثراً سلبياً يمنع الحكومة الحالية والحكومات اللاحقة من دخول معركة ضد الفساد.
أما الجانب الاستراتيجي في الحرب على الفساد فيتمثل بإعادة تعزيز البنية الاجتماعية الرافضة للفساد، ولا يتحقق ذلك إلا بإعادة الاعتبار لمفهوم المواطنة، فالولاء للوطن وعلى الحكومة مهمة إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى، فحينها ستكسب جمهوراً عريضاً يرفض الفساد، وهو ما يعني أنه على الحكومة البدء بوضع خطط اقتصادية واجتماعية لزيادة مساحة هذه الطبقة وزيادة تفاعلها وتأثيرها داخل المجتمع.