ما وراء دخان مطيع
الأردن اليوم – جميل النمري
السؤال الذي یدور على لسان الجمیع في قضیة الدخان ھو : ماذا عن الفترة من 2005 الى 2015 ؟ فنشاط مطیع وأعوانھ بدأ بین عامي 2004 – 2006 ولائحة الاتھام تذكر بالتفصیل سیر النشاطات حتى العام 2018 .لكن تواطؤ مسؤولین وتلقي رشاوي یظھر فقط في آخر 3 سنوات مع اسم مدیر الجمارك وغیره.
لندع جانبا الضخ الجائر من تسریبات ومعلومات على وسائل التواصل، لكن التساؤل اعلاه مشروع ومنطقي ویستحق التعامل معھ والاجابة علیھ !
من المشروع التفكیر في أن التعاون مع مطیع وبأشكال مختلفة والحصول على المال شمل آخرین كثرا. ربما أن التحقیق لم یصل الیھم، ولم یتمكن بالنتیجة من توجیھ الاتھام لأحد من المسؤولین أو النافذین غیر ما ورد في لائحة الاتھام، وربما أن الاعترافات اقتصرت على تلك الدائرة الضیقة في الفترة المحددة. وربما أن البینات والشھادات لم تتوفر بحق آخرین رغم العلاقة الظاھرة مع مطیع والظن بضلوعھم في دعمھ ومساندتھ ونحن لم نسمع عن استدعاء
الكثیر من الاسماء للتحقیق.
والمھم في النھایة أن الجھات التحقیقیة والقضائیة لا تستطیع أن تتعامل مع الشبھات والظنون بل مع الوقائع والبینات والاعترافات التي وصلت إلى ما تضمنتھ لائحة الاتھام. لكن في ضوء ھذه النتیجة نتمنى ألا یغلق ملف القضیة بل یبقى مفتوحا واعتبار لائحة الاتھام وتحویل المعنیین إلى القضاء محطة أولى قد انجزت.
لا شك أن الجھات المسؤولة كانت تحت ضغط شدید من الرأي العام للوصول إلى نتیجة وھي بالفعل فعلت ذلك في وقت قیاسي، لكن الآن یمكن المضي قدما بھدوء وتصمیم وعلى مھل. وإذا كان ھناك متواطؤون ومستفیدون آخرون لم یتمكن التحقیق من صیدھم فیجب ألا یرتاحوا بقفل الملف.
قضیة مطیع أعادت إلى الصدارة مشكلة الفساد التي بقینا نختلف على تقدیر حجمھا ودورھا في ما تعانیھ البلد اقتصادیا ومعیشیا. شخصیا كنت دائما ممن یعتقدون بأن ھناك مجتمعیا مبالغة في التصور السائد عن الفساد ودوره في في تضخم المدیونیة وتفاقم العجز وكذلك في الشعارات الاحتجاجیة عن البلد والمقدرات المنھوبة والأرقام التي تضع تقدیرات لا تقل عن الملیارات في كل قضیة منفردة من الكھرباء إلى شركات التعدین إلى الاتصالات إلى النفط والطاقة الى التبغ ولو جمعتھا فھي تفوق حجم الاقتصاد الأردني بأضعاف.
لكن قصة مطیع التي امتدت حتى الأمس وبعد كل الاستراتیجیات الخاصة بمكافحة الفساد والتشریعات والخطط طوال عقد ونیف ووصلت مؤخرا إلى حد اطلاق التطمینات عن خلو البلاد من الفساد الكبیر، یعیدنا إلى نقطة الصفر ویعطي مصداقیة للشائعات التي تسري كالنار في الھشیم.
ھل اشتغلنا حقا بطریقة صحیحة وبما یكفي لمكافحة الفساد والأھم ھل نحن على الطریق الصحیح لدرء الفساد وتجفیف منابعھ وھل قضیة مطیع تشكل استثناء وفي نھایة المطاف انكشفت وتم القبض على كل المتورطین بما یظھر الارادة السیاسیة الحاسمة في منع الفساد والمحاسبة الصارمة علیھ؟ لا یبدو الأمر كذلك في ذھن الرأي العام.
وواقع الحال الراھن أن ھناك مساحات نفوذ یختلط فیھا النفوذ الاقتصادي مع السیاسي مع البلطجة تثبت حضورھا وسطوتھا ولا یمكن القبض فیھا على جریمة محددة. كل واحد فینا یعرف ویرى ھذه الظاھرة التي یتم محاباتھا وھي تفسد الحیاة العامة وتضعف مصداقیة الدولة في الشفافیة والنزاھة وتشجع ثقافة المحسوبیة والتكسب والفساد الاداري في مرافق مختلفة وقد نمت ظاھرة مطیع في ھذا الوسط وتظللت بھ. وأعتقد ان أمام الحكومة بل والدولة عموما استحقاق وقفة جدیدة للتقییم والخروج بالاستخلاصات الصحیحة.