هذه الفرص الثمينة ضيعناها .. !

89

الأردن اليوم – حسين الرواشدة

كلما جاءتنا فرصة ضيعناها، لا اقصد هنا فرص الاستثمار في الاقتصاد التي هربت دون ان تنظر للوراء، وانما فرص الاستثمار في السياسة ومقرراتها، هذه التي تسللت من بين ايدينا، وعلى غفلة منا، كما تمر الغيمة الشاردة.

قبل ان اجيب على سؤال (لغز : ادق) لماذا اهدرنا هذه الفرص الكبيرة التي جاءتنا على طبق من ذهب ؟ استأذن بالاشارة الى عدد منها : هل تذكرون القرار التاريخي الذي اصدره جلالة الملك في تشرين الاول من العام الماضي بانهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية وادي عربة، هل تذكرون ايضا ليلة القبض على «مطيع» في القضية التي ما يزال دخانها يتصاعد، هل تذكرون اصدار العفو العام بعد توجيهات الملك للحكومة وصولا الى اصداره ثم ما جرى بين اللحظتين، وقبل ذلك هل تذكرون احتجاجات الرابع التي اطاحت بحكومة الملقي وجاءت بحكومة الرزاز، بكل ما رافقها من احساس شعبي بـ»الامل» في القادم؟.

هذه مجرد عينات فقط من الفرص السياسية الثمينة التي كان يمكن ان تساعد في تحسين المزاج العام الشعبي لو استقبلناها وتعاملنا معها بمنطق الاستثمار الصحيح، او بمنطق من يريد ان يحول اليأس الى امل، والانسدادات الى انفراجات، واحتقان الشارع الى حيوية ايجابية وهمة، لكننا للاسف لم نضعها على «اجندة» نقاشاتنا العامة لتحظى بما تستحقه من اهتمام، فخسرنا بالتالي هذه الفرص التي كان من الممكن ان تشكل تحولات حقيقية في واقعنا، ليس فقط كقنوات وروافع للتعبئة المعنوية، او توحيد الصفوف ولم الشمل، وانما ايضا للتأسيس لحالة وطنية جديدة تنقلنا من دائرة الشك والارتباك والخوف الى دائرة اليقين والعزم والبناء.

الاجابة على سؤال لماذا حدث ذلك، تعيدنا مرة اخرى الى ما فعلناه بانفسنا على مدى السنوات الماضية، فنحن اكثر من يتحدث عن الاصلاح وعن احترام القانون وهيبة الدولة، وعن التنمية والاستثمار، لكننا نتلكأ دائما في ترجمة ذلك على ارض الواقع، ونحن من اشد المتحمسين لما يحققه الاخرون من انجازات لكننا حين تخرج الانجازات من «طينة» بلدنا نخجل من الاشادة بها او حتى استثمارها، وربما نختلف حولها، نحن هنا قوميون واسلاميون لكننا حين تدق ساعة الوطنية نتأخر بالوصول في الموعد المحدد، ونحن ايضا نحارب الواسطة والمحسوبية والفساد لكننا على استعداد احيانا لتفصيل ما يلزم من قوانين وعادات لتمريرها والدفاع عنها اذا كان ذلك يتناسب مع مصالحنا الشخصية، نحن من اشطر الشعوب في التعبير عن حبها وانتمائها لبلدها، لكننا نمارس هذا الحب بطريقة غريبة، تماما كما نراها في شوارعنا المغطاة بالنفايات او المزدحمة بطوشات السائقين، او كما نراها في مدارسنا وجامعاتنا حين تتحول الانتخابات الى عنف وطوشات ..الخ، وكأننا بذلك ننتقم من انفسنا ومن مجتمعنا ايضا.

ليس المجتمع من يتحمل مسؤولية ذلك فقط، وانما تتحمل قسطا كبيرا منه الحكومات، كما تتحمله المؤسسات (البرلمان مثلا)، يكفي ان ندقق فيما حدث لقانون العفو العام حين ناقشه النواب والاعيان، او فيما حدث بعد ان جاءت الحكومة الجديدة على مراكب الامل ثم تراجعت شعبيتها بسبب ما اصدرته من قرارات مسلوقة، او فيما حدث بعد كشف قضية الدخان، حين استبشر الناس بكسر ظهر الفساد ..، كل هذه الفرص تحولت الى دخان للاسف.

باختصار، لكي نستثمر في هذه الفرص اواي فرص قادمة، لا بد ان نستعيد العافية لمجتمعنا وبلدنا لنخرج من هذه «الدربكة» ، اولا باعادة الثقة بين الناس وحكومتهم ومؤسساتهم، وثانيا بتحريك عجلة السياسة والاعلام لاشاعة الامل واحياء الهمة الوطنية، ليس على قاعدة تحسين الصورة وانما اصلاح الاصل، وليس على اساس «ننثر الرمال ذهبا « كما سوقنا الوهم ذات يوم، وانما على اساس المصارحة والمشاركة الحقيقية التي تقنع الناس بأننا بدأنا فعلا في بناء دولة العدل والمواطنة والانتاج، والانتماءات الحقيقة لا الاخرى المغشوشة.

اترك رد