أزمة المسجد الأقصى والتحرش بالاردن: انعكاس لازمات نتنياهو الانتخابية وفشل صفقة القرن

110

الأردن اليوم – الدكتور عمر الرداد

تتواصل حلقات مسلسل التحرش الإسرائيلي بالأردن، والذي أصبح نهجا معروفا للحكومات الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، وأخر هذه الحلقات ،وربما التي لن تكون الأخيرة،الأزمة المفتعلة بلا مقدمات حول فتح إحدى بوابات المسجد الأقصى “الرحمة” والذي تم فتحه من قبل المصليين المقدسين، والاعتقالات “غير المبررة” التي تمت ضد رئيس مجلس أوقاف القدس″ الشيخ عبدالعظيم سلهب” ومدير المسجد الأقصى السابق” الشيخ ناجح البكيرات” وقرار منع سلهب من الإمامة بالمصلين لمدة سبعة أيام.

أزمة الأقصى الجديدة،تذكرنا بذات الأزمة التي جرت في منتصف عام 2017،عندما أغلقت حكومة نتياهو المسجد،ونصبت حواجز على مداخل مدينة القدس القديمة، ومنعت المصلين من أداء الصلاة في المسجد،بما في ذلك صلاة الجمعة،وقامت بتركيب كاميرات مراقبة وهو مارفضه الفلسطينيون،وتحدوا الإجراءات الإسرائيلية، بالنزول الى الشوارع وحول الأقصى، وهو ما اجبر حكومة نتياهو على التراجع عن قراراته،بما فيها تركيب الكاميرات حول مداخل الأقصى.

 المعطيات تؤكد ان التصعيد الإسرائيلي الجديد في المسجد الأقصى، تم التخطيط له من قبل حكومة نتنياهو،وهو غير معزول عن سياقات وتطورات شهدتها المنطقة، أظهرت التباينات العميقة بين الأردن وإسرائيل، بالإضافة لأسباب مرتبطة بالانتخابات الإسرائيلية والتحضير لها.

ففي إطار الانتخابات الإسرائيلية التي من المقرر ان تجري في نيسان القادم، يعيش نتنياهو مأزقا حقيقيا في هذه الانتخابات التي تشير الكثير من الدلائل الى ضعف فرص فوزه،خاصة بعد تشكيل تحالف يضم ثلاثة جنرالات سابقين في الجيش الإسرائيلي،لديهم مواقف لا تتوافق مع مقاربات نتنياهو واليمين الإسرائيلي تجاه ملفات المفاوضات مع السلطة الفلسطينية والتصعيد مع إيران، ومن المعروف ان الناخب الإسرائيلي يطمئن ويثق بجنرالات الجيش السابقين في الانتخابات، وبصورة اكبر من ثقته بالسياسيين المدنيين، ويأتي تحرش نتنياهو بالأقصى لتقديم مواقف تؤكد التزامه بالتحالف مع الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة، بالإضافة لإعادة فتح التحقيقات بقضايا فساد أصبح مؤكدا لدى الناخب الإسرائيلي تورطه فيها وبشكل مباشر.

من جهة أخرى فان هذا التصعيد يأتي ردا على الموقف الأردني ، الذي تم التعبير عنه في مؤتمر وارسو قبل أيام،والذي أكد خلاله الأردن مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة التوصل لحلول ترتقي للاستجابة للمطالب الفلسطينية المشروعة بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، والاعتراف بحقوق اللاجئين في العودة إلى ديارهم،وهو ما يتناقض كليا مع مضامين “صفقة القرن”، ومقاربات نتنياهو بالتوافق مع جهات خليجية عربية بان قضية المنطقة الرئيسية هي مواجهة إيران ومخططاتها في المنطقة،وقناعاته بعد زيارته لبعض دول الخليج ان هناك إمكانية لتطبيع إسرائيلي مع بعض الدول العربية،قبل التوصل الى حلول على صعيد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

ويبدو أن إدراك القيادة الأردنية لحقيقة خلفيات التصعيد من قبل الحكومة الإسرائيلية وارتباطها بسياقات الانتخابات الإسرائيلية، وإنها تأتي ردا على الموقف الأردني الرافض لصفقة القرن، هو ما جعل رد الفعل الأردني بحدود”الإجراءات الدبلوماسية” ضد الحكومة الإسرائيلية، وبتنسيق مع السلطة الفلسطينية.

لم يكن نتنياهو يملك الجرأة للتعدي على المسجد الأقصى لولا: هذا الدعم غير المسبوق من قبل الإدارة الأمريكية، التي نقلت سفارتها الى القدس، وأوقفت دعم الاونروا أملا بشطب قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين،ولولا تعاطي أطراف عربية وإسلامية مع نتنياهو، وجهود لمنافسة الأردن على وصايته على الأماكن المقدسة في القدس،وهو ما خيل له إمكانية التطبيع مع جهات عربية قبل الاستجابة للمطالب الفلسطينية المشروعة،بالإضافة لإدراكه هذا الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس، غير أن الأهم أن هذا التصعيد من قبله يعكس قناعاته ب”فشل” أية إجراءات ضد المسجد الأقصى على أيدي المقدسيين، وفشل صفقة القرن” التي تراجعت أمريكا عن طرحها والإعلان عنها في وارسو، بعد حملة إعلامية مكثفة قبيل وارسو هدفت للحشد لها.

الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس، إسلامية ومسيحية،ليست موضع مساومة ولا هي ورقة يمكن استثمارها من قبل اليمين واليسار في الصراعات الحزبية والسياسية، ومن المؤكد ان نتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة، تشكل احد محطات الرهان على التغيير في إسرائيل، بإنتاج شريك إسرائيلي يؤمن بالسلام، وما يمكن ان تشكله من تداعيات وانعكاسات في المنطقة.

اترك رد