جواد ظريف: استقال أم أقيل؟.. ماذا يحدث في إيران؟

61

الأردن اليوم – الدكتور عمر الرداد

على طريقة الرئيس الأمريكي في الإعلان عن الإقالات والتعيينات لفريقه في الإدارة الأمريكية، والتي تتم عادة عبر موقع التواصل المعروف “تويتر”؛ أعلن وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، استقالته عبر “أنستغرام”، في خطوة تعلن أنّ هذه الاستقالة “الإقالة” لم تتم في ظروف وسياقات عادية، وأنّها جاءت في إطار خلافات متصاعدة بين التيار الإصلاحي، الذي يعدّ ظريف أحد رموزه، والتيار المحافظ بقيادة المرشد الأعلى، خامنئي، والحرس الثوري الإيراني.

وقد أكدت تصريحات لاحقة لظريف، أدلى بها لصحيفة الجمهورية الإيرانية، بعد إعلان استقالته أنّ “الصراع الداخلي والتشرذم والصراعات الحزبية هي السمّ القاتل لإيران، وأنّه يتعين أن نبعد سياستنا الخارجية عن الصراعات الحزبية والفصائل”، وهو ما يرجح أنّ الاستقالة جاءت في ظلّ ضغوطات مورست عليه من قبل التيار المحافظ، وتحديداً على خلفية دوره في الاتفاق النووي، الذي تم إنجازه بين إيران “التيار الاصلاحي” عام 2015 مع الولايات المتحدة والقوى الدولية، المعروف باتفاق “5+1″، والذي أطاح به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في أيار (مايو) 2018، فيما أخفقت الرهانات الإيرانية على إقناع الدول الأوروبية بمواصلة الالتزام بالاتفاق.

 

ورغم تعدد الروايات حول أسباب استقالة ظريف المفاجئة، ومن بينها أنّه لم تتم دعوته للمشاركة في استقبال الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يزور طهران، وبصورة مفاجئة، إلا أنّ المرجَّح أنّ هذا السبب ليس كافياً وحده لدفع ظريف للاستقالة، وتؤكد أوساط متعددة، من بينها تقارير واردة من داخل إيران؛ أنّ مغادرة ظريف لموقعه في وزارة الخارجية جاءت بعد ضغوط مارسها التيار المتشدد، على خلفية مسؤولية ظريف عن فشل الاتفاق النووي، والشكوك بتعاطي ظريف بإيجابية مع مقترحات أوروبية، تتضمن تضييق هوامش تدخل الحرس الثوري في العراق وسوريا واليمن، ووقف البرنامجين الصاروخي والنووي الإيرانيين، بما يمكن الدول الأوروبية من طرح مقاربات أمام أمريكا، تبرر عدم الالتزام بالعقوبات الأمريكية المفروضة من قبل أمريكا على إيران.

استقالة ظريف تعكس عمق الأزمة التي تعيشها مؤسسة الحكم الإيرانية وهي أحد أبرز النتائج الأولية التراكمية للعقوبات الأمريكية

وما يرجح هذه المقاربة في تفسير مغادرة ظريف للخارجية الإيرانية؛ إقالته السابقة من منصب مندوب إيران في الأمم المتحدة، من قبل حكومة أحمدي نجاد، للأسباب ذاتها، وبحجة أنّه يتعاطى بإيجابية مع طروحات أمريكية ضدّ إيران، والشكوك في أوساط الحرس الثوري بأنّ علاقات ظريف، ومعه روحاني، مع الغرب، تصل إلى حدود “العمالة”، وهو ما يفسّر تهديدات لرموز من الحرس الثوري بأنّه سيتم “شنق” روحاني وظريف في طهران، بتهمة “الخيانة للثورة الإسلامية”.

لم يتضح بعد موقف رئيس الجمهورية، حسن روحاني، من قبول الاستقالة أو رفضها، في ظلّ تقارير متضاربة عن قبول الاستقالة، فيما تتحدث أخرى عن رفضها، وبالتزامن أعلنت أغلبية برلمانية من روحاني أنّها تقدمت بمذكرة تطالب رئيس الجمهورية برفض الاستقالة، وبمعزل عن مصير “استقالة” ظريف، فإنّ المؤكد أنّها وضعت حداً لمحاولات إخفاء تفاقم الخلافات بين التيارين: المتشدد والاصلاحي، وأنّ هذه الاستقالة تشكل إعلاناً عن انتهاء مرحلة قيادة المركب الإيراني برأسين، وضربة لجهود التيار الإصلاحي، بالمزيد من التضييق عليه وإبعاده عن التدخل في الملف النووي الإيراني والقضايا المرتبطة بالحرس الثوري، الموالي للمرشد الأعلى.

استقالة ظريف تعكس عمق الأزمة التي تعيشها مؤسسة الحكم الإيرانية، وتفاقمها، واتجاهاتها المستقبلية، وهي إحدى أبرز النتائج الأولية التراكمية للعقوبات الأمريكية، التي يتوقع أن تزداد مظاهرها في المستقبل القريب، على الصعيدين؛ الداخلي والخارجي، فعلى الصعيد الداخلي: سيظهر المزيد من الانقسام في مؤسسات الحكم الإيرانية، وستدفع احتجاجات الشعب الإيراني، على خلفية قضايا التمييز وغياب العدالة والأزمات الاقتصادية وتداعياتها (البطالة والفقر وانخفاض قيمة العملة الإيرانية) إلى مستويات غير مسبوقة، لا يستبعد معها أن تتحول إلى انتفاضة شعبية واسعة وشاملة، خاصة في ظل وجود قناعات شعبية إيرانية بالمسؤولية المشتركة للمرشد خامنئي، ورئيس الجمهورية، روحاني، عمّا آلت إليه أوضاع الإيرانيين.

 

أما على الصعيد الخارجي؛ فمن المرجح أن تذهب إيران إلى مزيد من التشدد في علاقاتها الخارجية، خاصة على خلفية ملفاتها النووية والصاروخية، فيما سيكون الحرس الثوري الإيراني أكثر حضوراً وتأثيراً في مناطق الصراع، بالعراق وسوريا واليمن، وبصورة ترسل رسالة بأنّ القيادة الإيرانية في موضع تحدٍّ للغرب، مع الحفاظ على مستويات محددة لهذا التحدي، بما يظهر إيران أنّها بحالة حرب مع “قوى الاستكبار العالمية بقيادة الولايات المتحدة”، وهي الصيغة التي تمنح للحرس الثوري غطاءً لـ “قمع” أيّة احتجاجات داخلية.

اقرأ أيضاً: ظريف: إيران لم تهدد بتدمير إسرائيل

وفي الخلاصة؛ فإنّ سيناريوهات ما بعد استقالة ظريف، بالنسبة إلى القيادة الإيرانية، تبدو مفتوحة وباتجاهات متعددة، إلا أنّ قاسمها المشترك؛ أنّ المجتمع الدولي سيكون أمام إيران أكثر تشدداً، بقيادة المرشد والحرس الثوري الإيراني، مع غياب الأصوات المعتدلة “المشكوك أصلاً في اعتدالها”.

اترك رد