هل سیدفعون المال حقا لوسط البلد؟
الأردن اليوم – ماهر ابو طير
كشفت حملة التضامن مع تجار وسط البلد، عن روح جماعیة بین الأردنیین، إذ إن الآلاف الذین
ذھبوا إلى وسط البلد ورسموا مشھدا جمیلا إلى حد كبیر، فھذا شعب حي، وفیھ خیر عظیم.
لكن المشكلة تكمن في أن أغلب تجار وسط البلد یغلقون یوم الجمعة أساسا، باستثناء عدد قلیل من
المحلات التجاریة، وإذا كان بعضھم قد استفاد مالیا وبشكل محدود، فإن الذین استفادوا فعلیا كانوا
الأشقاء الوافدین الذین یبیعون یوم الجمعة على الأرصفة وفي الطرقات الضیقة في وسط البلد وعلى
أطرافھا، وبھذا المعنى تصیر القصة معنویة فقط.
خسائر تجار وسط البلد، مثل خسائر المزارعین في الأغوار، الذین تم تسییل میاه سد الملك طلال
نحو مزارعھم، ومثلھم تجار العقبة الذین على وشك إعلان إفلاسھم، لكن خصوصیة وسط البلد،
ترتبط بكون المنطقة في العاصمة، وتعاني أساسا من الكساد الشدید، فوق أضرار الفیضانات التي
شاھدھا الجمیع، ووقفنا مذھولین أمامھا، وھي تتطابق مع صور الخمسینیات.
تقدیرات خسائر تجار وسط البلد تتجاوز الستة ملایین دینار، وتشمل أكثر من مائتین وخمسین
تاجرا حتى الآن، والواضح أنھم أمام أزمة من نوع ثان، إذ إن قصة التعویضات سوف تحتاج إلى
وقت طویل من أجل البت فیھا، ولن یتم حسم أمرھا سریعا لاعتبارات كثیرة، وھذا یعني أن التجار
سوف یعانون لفترة طویلة قبل أن تتم مساعدتھم، وقصتھم تتوزع بین القضاء وأمانة عمان
والحكومة وغرفة تجارة عمان، وھذا بحد ذاتھ یوزع المسؤولیات.
رئیس الوزراء زار وسط البلد، مرتین، وھو لا یقول صراحة للتجار إن إحدى المشاكل ترتبط
بمدى مصداقیة المطالبات التي یتم التقدم بھا، إذ إن القدرة على التشكیك بالأرقام المطلوبة واردة،
وھذا یعني من جھة ثانیة أن مطابقة الأرقام مع فواتیر التجار الأساسیة مع البضائع التالفة، عملیة
سوف تحتاج إلى وقت طویل للتأكد من المعلومات إضافة إلى عدم وجود ضمانات بكون كل سلعة
مصادر التعویض المالیة قضیة ثانیة، فالكل یرمي بالمسؤولیة على الآخر، ولا أحد یرید أن یتحمل
المسؤولیة، وتحدیدا المسؤولیة التي تؤدي إلى دفع المال لاحقا، وعلینا ان نسأل كیف سیتم دفع
المبالغ، وھل ستكون من أمانة عمان، او من الخزینة، أو حتى بمساعدة من غرفة تجارة عمان، أو
أي جھات أخرى في ھذه القصة المؤلمة والتي تأتي في توقیت صعب؟
مبدأ التعویضات في الأردن مبدأ غیر قائم، ویذكر كثیرون أن المزارعین في الأغوار ومناطق
أخرى، كانوا یتضررون بسبب موجات الصقیع، وكانوا یطالبون الحكومات بتعویضھم، وكان
التجاوب منخفضا لأن منطق الحكومة یقول ان المزارع لم یتخذ الإجراءات الوقائیة لمنع الاضرار
التي تعرض لھا، وان أي تعویض ھو مساعدة فعلیة ولیس اقرارا بالمسؤولیة.
في كل الأحوال، ھذا الملف حساس، وبحاجة إلى آلیات واضحة، وتخصیص مبالغ مالیة، ولو على
الأقل من باب الدفع للتجار على أساس دفعات أولیة لمساعدتھم، حتى یتم حسم كل الملفات بشكل
نھائي، إضافة إلى أن الأصل ھنا، تشكیل لجنة من عدة جھات، وتخصیص مبلغ مسبقا، من اجل
تخلیص التجار، من تقاذف كرة المسؤولیة بین جھات كثیرة، وھي حالة ستؤدي إلى إطالة أمد
الموضوع، اكثر مما یظن التجار ذاتھم، ھذه الأیام.
آن الأوان ان تكون حادثة وسط البلد سببا لأمرین؛ أولھما إنشاء صندوق مالي للأزمات في الأردن
من جانب الحكومة، بدلا من ھذه الحالة التي یتھرب فیھا الكل من المسؤولیة، وھو صندوق یمكن
تسییل أموالھ في قضایا كثیرة تساھم فیھ الحكومة وجھات ونقابات مختلفة، إضافة إلى ضرورة
تذكر الحقیقة الأكثر سوادا، أي ان نكبة تجار وسط البلد لم تبدأ مع الفیضانات، بل بدأت قبل ذلك
بسبب الدیون والكساد، وان قصتھم لیست وحیدة، واذھبوا واسألوا عن حال القطاع التجاري في
إربد والزرقاء والكرك والعقبة، وبقیة مناطق المملكة!