شجاعة ملك غزا الشيب رأسه مبكّرا : لسنا قطيع خراف في مزرعة الراعي الأمريكي..

94

الأردن اليوم – د. محمد ابو بكر

المواقف الجريئة لا يقدر على اتخاذها سوى نوعيّة محددة من القادة خاصّة إذا كانت تلك المواقف تتخذ في ظلّ ظروف صعبة وبالغة التعقيد والحساسية ، وفيها شيء من التحدّي، ربما لم تعتد عليه بعض أنظمتنا العربية التي استساغت السير كقطيع خلف راعي البقر الأمريكي ، الذي يتعامل مع العديد من الدول كقطيع خراف في مزارعه .

فالملك عبد الله الثاني حينما اتّخذ قراره بعدم زيارة رومانيا لعزم رئيسة الوزراء نقل سفارة بلادها إلى مدينة القدس المحتلة ، مثّل شجاعة نادرة من زعيم عربي يرفض التبعية ، ويأبى إلّا ان يكون في نفس خندق شعبه الذي وجد في ذلك موقفا نبيلا ومبدئيا ، يعبّر عن مدى التصاق هذا الوطن بالقدس وقضيتها ، وحقوق الشعب الفلسطيني التي يضعها الأردن في سلّم أولوياته ، ولم يتنازل عن ذلك بمقدار ذرّة واحدة .

صمت العرب على قرار دولة رومانيا ، لم ينبسوا ببنت شفة ،أغمضوا أعينهم ، صمّوا آذانهم ، ولسان حالهم يقول .. ما لنا ودولة رومانيا ؟ المهم أن تسلم رؤوسنا من راعي البقر !
وقف الملك وحيدا .. اتّخذ الموقف وحيدا .. تحدّى وحيدا .. قالها لا كبيرة ووحيدا أيضا ، ولكنه يتسلّح بعزيمة شعب يقولها دوما له .. نعم كبيرة لك ياصاحب الجلالة ، نعم كبيرة لك عندما تقول لهم .. لا لغطرستكم ، ولا لصلفكم ، لا وألف لا بأن نكون جزءا من مزرعتهم ، فنحن لسنا جمهورية موز كما يريدون لنا ذلك .

ندرك جميعا حجم الضغوط السياسية التي يتعرّض لها الأردن في هذا الوقت العصيب ، ونعلم تماما بأنّ الشيب الذي يغزو رأس جلالة الملك بغزارة جاء مبكرا وله أسبابه ، ونفهم أيضا بأنّ ما يحمله قائد الوطن من أعباء سياسية تثقل كاهل أعظم الدول وأقواها ، فما بالك بدولة بحجم الأردن ، تعيش فيما يشبه الحصار من الشقيق قبل العدو والصديق .

عندما قال الملك في الزرقاء بأنّ شعبي كلّه معي حين تحدّث عن القدس ؛ فقد قال الصدق ، ونصدقه القول حين نخاطبه .. بأننا يا صاحب الجلالة لن نخذلك ما دام الأردن متمسّكا بثوابته ويسير على نفس المباديء التي عهدناها دون أن يتزحزح عنها أبدا ، رغم كل المغريات الماديّة التي يجري تسريبها لعلّ اللعاب يسيل لها ، وهم لا يعلمون بأنّ لعابنا قد أصابه الجفاف في حلوقنا منذ زمن طويل.

قد يرى البعض بأنّ إلغاء زيارة رومانيا حدث بسيط لا يستحقّ كلّ هذه الضجّة ، إلّا أننا نؤكّد بأنّ هذا الموقف الأردني الذي صدر من رأس الهرم سيعيد حسابات العديد من الدول الأخرى التي تعتزم نقل سفاراتها للقدس ، وما عليكم إلّا الإشارة لما حدث بين الرئيس الروماني الرافض للقرار وموقف رئيسة حكومته الذي وصفه بالمتسرّع والأرعن .

الأردن يحظى بالإحترام في العالم أجمع ، وهو قادر على تغيير بوصلة بعض الأنظمة قدر استطاعته ، ولكنه للأسف يقف وحيدا ، ويقوم بكلّ ما يستطيع إليه سبيلا لأجل القدس وفلسطين ، وشعبها ، في ظلّ حالة من الخنوع والإستسلام العربي الذي لم نعهده من قبل ، وإزاء حالة من الهرولة العربية نحو تطبيع مجّاني مع إسرائيل إرضاء لسيّد البيت الأبيض ، الذي يحمل عصاه لكل من عصاه أو يفكّر أن يعصيه يوما .

نقول لذلك السيد الرابض في بيته الأبيض .. إحمل عصاك كما تشاء ، فالأردن لا يخشاك ، والشعب كلّه خلف قيادته حين يتعلّق الأمر بالقدس وفلسطين ، والقائد الذي يلجأ إلى شعبه ويحتمي به لا يخشى شيئا ، حينها سنقول للملك .. نم قرير العين مطمئنا ، فعيون الشعب ستبقى ساهرة يقظة دفاعا عن الكرامة والحمى والأرض والمقدسات .

اترك رد