ما بعد خسارة أردوغان في الانتخابات البلدية في تركيا

108

الأردن اليوم – د. عمر الرداد

بعيداً عن لعبة الأرقام والنسب ودلالاتها في انتخابات المجالس البلدية التركية، التي جرت قبل يومين، وسط ظروف لصالح حزب “العدالة والتنمية”، بحكم سيطرته على الإعلام، إلا أنّ الحزب، بقيادة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تعرض لهزيمة مدوّية، بخسارة بلديات مدن كبرى محسوبة تاريخياً بوصفها قواعد لـ”العدالة والتنمية”، وتحديداً مدينة إسطنبول، إضافة إلى أنقرة وأنطاكيا، وهو ما يؤكد أنّ هناك تغيّرات عميقة في المجتمع التركي، تجاه سياسات الحزب ورئيسه “مطلق الصلاحيات” أردوغان، خاصة أنّ اليسار “الشيوعي”، وليس الاتجاه القومي التركي فقط، حقق فوزاً ساحقاً على بعض مرشحي “العدالة والتنمية” الإسلامي.

لا يمكن قراءة خسارة “العدالة والتنمية” خارج إطار خسارات الإسلام السياسي المتوالية بالمنطقة، وستنعكس على حلفاء أردوغان من تنظيمات إخوانية

وتتعدّد أسباب هزيمة “العدالة والتنمية” في هذه الانتخابات، بين داخلية وخارجية، لكنّها متداخلة، ويشكل الوضع الاقتصادي المتأزم في تركيا، متعدد التداعيات والمظاهر، والذي لا تكذّبه الأرقام الاقتصادية، بدءاً من قيمة الليرة التركية التي تتهاوى، وازدياد نسب التضخم وهروب الاستثمارات الأجنبية، والبطالة، أبرز هذه الأسباب الداخلية، إلى جانب القضايا المرتبطة بملفات حقوق الإنسان وحرية التعبير، ما بين اعتقالات للصحفيين وللمعارضة، والفصل من العمل لقطاعات مختلفة؛ مدنية وعسكرية، بحجة تعاونها مع جماعة فتح الله غولن، المتهمة بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة، في حزيران (يونيو) العام 2016، واتخاذ إجراءات ضدّ نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي والتضييق عليهم، خاصة بعد تعديل الدستور، والانتخابات الجديدة التي فاز أردوغان خلالها، وأصبح يمتلك صلاحيات مطلقة في الحكم، إضافة إلى أسلمة المجتمع التركي القائم على التنوّع؛ الديني والاجتماعي.

وبموازاة ذلك؛ كانت الانتخابات البلدية، رغم أنّ صبغتها السياسية غير مباشرة؛ إذ ترتبط بالخدمات التي تقدمها البلديات للمواطنين في مناطق اختصاصها، تصويتاً على سياسات أردوغان، وبناء علاقات تركيا مع محيطها الإقليمي والإسلامي والدولي، والتي تميزت بالتناقض والانقلاب على تحالفاته وعلاقات بلاده، بما أفقد تركيا أصدقاءها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، فيما أفشلت سياسات أردوغان ومناكفاته للدول الأوروبية، خاصة فرنسا وألمانيا، أيّ أمل بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لا بل وتجاوز ذلك لصياغة العلاقات مع أوروبا في إطار العدوانية، بتبني مقاربات إعادة إنتاج الخلافة العثمانية، بما يعرف بالعثمانية الجديدة، وتبنّي طروحات الإسلام السياسي بالتوسع في بناء المساجد في الدول الأوروبية، بما في ذلك دول البلقان، التي تثير حساسية لدى الأوروبيين، من أنّ تركيا تتطلع لإعادة إنتاج التاريخ بدمويته وحروبه.

وإذا كانت الرؤية التي طرحها أحمد داوود أوغلو؛ بأنّ عمق تركيا يجب أن يكون شرقاً وجنوباً في الدول الإسلامية والعربية، فإنّ ترجمات أردوغان لهذه المقاربة، أفقدت تركيا مكانتها، وجعلت منها خصماً، وليس حليفاً، بعد تدخّلها بالدول العربية على الطريقة الإيرانية، لصالح جماعات الإخوان المسلمين وحركة حماس، ومطامعها في سوريا، التي بنيت على أساس إقامة تحالفات مع فصائل إرهابية؛ “النصرة” و”داعش”، والتحالف مع روسيا وإيران في سوريا، رغم أنّهما لم ولن، يثقا بتركيا، فضلاً عن محاولات تركيا التدخل في العراق، بما يتجاوز ما تعلنه من استهداف حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
إنّ مشهد العلاقات التركية اليوم، مع عواصم الثقل والقرار العربي؛ الرياض، أبو ظبي، القاهرة، إضافة إلى علاقاتها المتشنجة مع بغداد، تؤكد حقيقة ما أسفرت عنه سياسات أردوغان.

جاءت النتيجة تصويتاً على سياسات أردوغان، التي تميزت بالتناقض والانقلاب على تحالفاته وعلاقات بلاده بما أفقد تركيا أصدقاءها

ومن المرجح أنّ المعارضة، وهي تنتزع هذا الفوز من حزب “العدالة والتنمية”، ستعمل على استثماره والبناء عليه، خاصة أنّ المؤشرات تؤكّد أنّ الأزمة الاقتصادية ستزداد عمقاً في تركيا، وستتسع جيوب الفقر، مع انخفاض متواصل في قيمة الليرة التركية، وهروب المزيد من الاستثمارات، فيما سينكشف الغطاء عن الخلافات العميقة بين أجنحة وتيارات حزب العدالة، بعد استفراد أردوغان بالسلطة، وانقلابه على العديد من رفاقه، ولا يستبعد أن تذهب المعارضة للقيام باحتجاجات واسعة، خاصة في المدن الكبرى، احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية (ربيع تركي)، وتطالب بانتخابات مبكرة، يبدو أنّ نتائجها لن تكون في صالح “العدالة والتنمية”.

وعلى الصعيد الإقليمي؛ فإنّ خسارة “العدالة والتنمية” للانتخابات البلدية، لا يمكن قراءتها خارج إطار خسارات الإسلام السياسي المتوالية في المنطقة، وستنعكس، ولو بشكل محدود، على حلفاء أردوغان، من تنظيمات إخوانية، إضافة إلى حركة حماس، بظهور أحد أهم حلفائها بمظهر ضعيف، وهو ما قد يدفع للواجهة سيناريوهات جديدة محتملة لاتجاهات سياسات أردوغان تضمن بقاءه في الواجهة، بانتهاج سياسات تتضمن تحولات تقترب من تنازلات “انقلابات” في قضايا محلية، تركية وإقليمية، خاصة ما يتعلق بالملف السوري، وعلاقاته مع أوروبا وأمريكا، وربّما تصل لمواقف جديدة غير مسبوقة تجاه صفقة القرن والعلاقة مع إسرائيل.

اترك رد