محمية في جرش لعلاج الدببة والأسود من صدمات الحروب في سوريا وغزة
الأردن اليوم – على مدى أكثر من سنة بعد نقلهما من مدينة حلب السورية ليُعاد تأهيلهما في محمية بالأردن، ظلّ الدبّان “لوز” و”سكّر” يحاولان الاختباء كلما سمعا صوت طائرة، نتيجة الصدمات التي تعرّضا لها في منطقة النزاع.
ونقلت منظمة “الكفوف الأربعة” (فور بوز) النمساوية لرعاية الحيوانات، لوز وسكّر، وهما من فصيلة الدب الآسيوي الأسود، من حلب إلى الأردن في صيف العام 2017، أي بعد أكثر من 5 سنوات على اندلاع النزاع في سوريا.
واستقرّ الحيوانان في محمية “المأوى للطبيعة والبرية” في جرش- التي تبعد 51 كيلومتراً شمال عمان- التي تستضيف اليوم 26 حيواناً مفترساً يعاني معظمها من صدمات مماثلة.
وترعى المحمية الحيوانات، بالتعاون مع منظمة “فور بوز” ومركز “نيو هوب” الأردني لعلاج الحالات الطارئة للحيوانات وإعادة تأهيلها، وتحت إشراف “مؤسسة الأميرة عالية”.
ويقول الموظف في المحمية خالد عياصرة إنَّ لوز وسكّر وعمرهما اليوم نحو 9 سنوات “مثال على معاناة الحيوان جرّاء الحرب، فقد كانا يخافان بشكل رهيب من أصوات الطائرات خصوصاً المروحيات عندما نقلا إلى هنا”.
ويضيف وهو يلاعب سكّر من وراء سياج: “لمدة تزيد على عام، كانا يهرعان للاختباء في الحجرة المغلقة داخل المساحة المسيجة، ما أن يسمعا صوت طائرة”.
ويتابع الموظف الذي ارتدى زياً أخضر داكن اللون يحمل شعار المحمية: “تمكننا من التعامل معهما، حسّنا سلوكهما وباتا يتقبلان الناس ويعيشان بشكل طبيعي أقرب الى حياتهما في البرية”.
ويلعب الدبان ويركضان في المساحة المخصصة لهما في المحمية الهادئة التي أنشئت العام 2011 على مساحة 1400 دونم في منطقة جبلية خضراء كثيفة الأشجار، وقد خصصت 5 دونمات مسيجة لكل حيوان.
وفي المحمية أيضاً 8 أسود و12 لبؤة ونمران بنجاليان و4 دببة، ومعظم الحيوانات من سوريا وغزة وواحد من العراق.
ويلفت عياصرة إلى أنَّ معظم هذه الحيوانات “كانت تعاني من مشاكل صحيّة أهمها سوء التغذية، ومن مشاكل نفسيّة”.
وحال الأسد “سلطان” واللبؤة “صابرين” لم يكن مختلفاً كثيراً عن لوز وسكّر، فقد كانا متوترين جداً عند نقلهما من حديقة حيوانات في غزة عام 2014 براً إلى الأردن للعلاج، بعد حملة من القصف الإسرائيلي.
ويقول عياصرة: “كان سلطان عصبياً جداً جداً، حتى إنه كان يقطع الأسلاك في محيط المسيجة الخاصة به ويخرّب ما حوله، أما الآن فهو هادئ ويستقبل الزوار، وكذلك صابرين”.
ويستلقي سلطان بهدوء تحت أشعة الشمس، فيما تنتقل صابرين من مكان إلى آخر في المساحة المسيجة.
ويقول المدير التنفيذي للمحمية، ماريك تريلا، إنَّ بعض الحيوانات “كان يتصرف بشكل درامي إذا سمع صوتاً مرتفعاً خصوصاً الطائرات والمروحيات”، فيصاب بالهلع ويركض في كل الاتجاهات وقد يخرب ما حوله.
ويقف تريلا أمام سياج أخضر بارتفاع أكثر من 4 أمتار جلس بقربه من الداخل أسد ضخم لبدته كثيفة، وحين يفتح فاه ليزأر تظهر أنيابه الطويلة، بينما استلقت لبؤة بكسل بالقرب منه تحت أشعة الشمس.
ويعاد تأهيل الحيوانات بمراقبة سلوكها ومتابعتها من مختصين وتحفيزها مع منحها الهدوء والراحة وتوفير غذاء متوازن لها.
ويقول عياصرة إنَّ بين وسائل تهدئة الحيوانات، إعطاءها “كرات خاصة مقوية تتحمل العض واللعب، لتلعب بها”. كذلك يتمّ تحضير برميل توضع فيه أعشاب لها رائحة معينة، مثل القرفة، أو البابونج، أو رائحة أخرى يحبها الحيوان، بالقرب منه لتهدئته.
“أهم شيء هو الطعام، فهو المحفز الأكبر”، بحسب عياصرة، ويتم الإطعام “بواسطة ملقط حتى يثق بنا الحيوان ولا يخاف”.
ويأكل الدبّ في المحمية 16 كيلوجراماً من الخضار والفواكه يومياً، أما الأسود فيأكل كل منها 7 إلى 15 كيلوجراما من اللحوم 3 مرات في الأسبوع.
ويقول تريلا: “لا يزال في الإمكان رؤية صعوبة الحياة التي عاشتها بعض الحيوانات التي جلبت من مناطق حروب، لكن بعد مضي وقت قصير، تتكيف مع هذا المكان الجميل وتصبح أكثر هدوءاً لأن هذا المكان شبيه ببيئتها الطبيعية”.
ويوضح أنَّ “الأهم عدم إزعاجها وأن تكون في بيئتها الطبيعية. إن أحبّت رؤية الناس خرجت إليهم واقتربت من السياج، وإن لم ترغب برؤية أحد تبتعد وتختبئ في الغابة”.
ويقول عياصرة: “ليس سهلاً تغيير سلوك الحيوان. الآن لوز وسكر اختلفا كلياً وأصبحا أكثر مرحاً يحبان اللعب واستقبال الزوار”.
ويستطيع الزوّار دخول الحديقة مقابل رسم قيمته 5 دنانير (نحو 7 دولارات)، لكن عدد الزوار قليل نسبياً، لأن المحمية ليست كحديقة حيوانات عادية، فهي تضم فقط حيوانات مفترسة.
واستقبلت المحمية 3 أسود جديدة من غزة قبل أسابيع أنقذتهم “فور بوز”.
ويقول متحدث باسم “فور بوز”، مارتين باور، إنَّ منظمته “أنقذت تقريباً 100 حيوان من مناطق حروب في السنوات الـ5 الماضية” توزعت على مراكز مختلفة في الأردن.
ويشير إلى أنَّ معظمها عانى “نقص الرعاية الطبية ونقص التغذية، فكانت هزيلة وأسنانها بحال يرثى لها. وفوق هذا كله كانت تعاني صدمة نفسيّة والخوف من الأصوات المرتفعة”.
ويضيف: “في البداية، كانت تخاف الدوس على العشب لأنها اعتادت على الإسمنت. ونحن نوفر لها بيئة سليمة ورعاية طبية وتغذية جيدة حتى تعود لوضعها الطبيعي بعد فترة”.
ويطلق بعض هذه الحيوانات في الطبيعة بعد تلقيها العلاج، وبينها ذئاب وثعالب وطيور بجع ونعام.
في محمية “المأوى”، يقول تريلا: “نحاول منح هذه الحيوانات التي عانت في مناطق حروب حياة أفضل”. (ا ف ب)
|