الوزير الأسبق الخوالدة: تشوهات وشبهة “دستورية” في موازنة 2018
90
Share
الأردن نشر الوزير السابق خليف الخوالدة، تحليلا لأرقام الموازنة العامة، خلُص فيه إلى تشوهات كثيرة، تستدعي التوقف عن الحلول الحكومية الترقيعية كما وصفها.
وأضاف الخوالدة أن الضوء على افتقار تقديرات الحكومة لأرقام الموازنة، إلى الدقة ما ينعكس بتأثيرات سلبية لاحقا.
ومن الأمثلة التي أوردها الخوالدة فإن الحكومة قدرت العجز في موازنة 2018، بـ 523 مليون دينار، بينما أظهرت إعادة تقديره في موازنة 2019، ارتفاعه إلى 814 مليونا.
وتاليا نص ما كتبه الدكتور الخوالده:
الموازنة العامة موازنة انفاق وموازنة تمويل.. موازنة الإنفاق تتضمن الإيرادات في جهة “إيرادات محلية ومنح” والنفقات في الجهة الأخرى والفرق بينهما فائض أو عجز وفي حالتنا عجز.. أما موازنة التمويل فهي اقتراض من الداخل والخارج لسد عجز الموازنة وتسديد المستحق من أقساط الديون..
التوسع في موازنة التمويل غير محمود.. ولهذا يفترض أن تُعطى موازنة التمويل نفس القدر من الاهتمام عند القراءة والنقاش والتحليل..
فوائد الدين العام التي تظهر بموازنة الإنفاق في نمو وتصاعد ففي عام ٢٠١٧ بلغت ٨٥٦ مليون دينار وعام ٢٠١٨ مليار و ١٢ مليون وعام ٢٠١٩ قُدّرت بمليار و ٣٠ مليون وعام ٢٠٢٠ قُدّرت بمليار و ١١٠ مليون وعام ٢٠٢١ قُدّرت بمليار و ٢٧٦ مليون دينار.. أي نمو بمقدار ٤٢٠ مليون دينار خلال ٤ أعوام أي بمتوسط نمو ١٠٥ مليون لكل عام.. وهذا سببه التوسع في موازنة التمويل..
الحكم على مدى دقة ووجاهة تقديرات الموازنات العامة يكون من خلال عدة أساليب منها:
أولا: ما تحقق من تقديرات العام الذي سبقه… مثلا الحكم على دقة التقدير في الموازنة العامة لعام ٢٠١٩ عند مناقشتها يتحقق من خلال مقارنة ما تحقق مما قُدر لعام ٢٠١٨.. إصدار سندات اليورو وسندات محلية بالدولار كانت مقدرة لعام ٢٠١٨ بصفر في حين ارقام اعادة التقدير ٤٩٦ مليون دينار.. في موازنة عام ٢٠١٨، قُدر عجز الموازنة ٥٢٣ مليون ولكن اعادة التقدير له في موازنة ٢٠١٩ أصبحت ٨١٤ مليون.. هذا يعطيك مؤشرا عن مستوى الدقة في التقدير..
ثانيا: مقارنة ما قُدر لعام ما “أرقام تأشيرية” في موازنة العام الذي سبقه مع ما قُدر في موازنة ذلك العام.. مثلا الحكم على دقة التقدير في الموازنة العامة لعام ٢٠١٩ عند مناقشتها يتحقق أيضا من خلال مقارنة ما قُدر لعام ٢٠١٩ كأرقام تأشيرية في موازنة عام ٢٠١٨ مع تقديرات عام ٢٠١٩ في موازنة ٢٠١٩ نفسها.. العجز التأشيري لعام ٢٠١٩ في موازنة ٢٠١٨ قُدر ١٣٣ مليون ولكن في موازنة ٢٠١٩ اصبح التقدير ٦٤٦ مليون.. هذا يعطيك أيضا مؤشرا عن مستوى الدقة في التقدير..
إصدار سندات يورو وسندات محلية بالدولار كانت مقدرة لعام ٢٠١٨ في موازنة ٢٠١٨ صفر ولكن أرقام إعادة التقدير الظاهرة لها في موازنة ٢٠١٩ تبلغ ٤٩٦ مليون دينار.. وهذا بطبيعة الحال انعكس بالارتفاع على مجموع “المصادر” في موازنة التمويل.. ألا تعتبر هذه مخالفة (أو شبهة مخالفة) دستورية.. بمعنى أن موازنة عام ٢٠١٨ لم تخول الحكومة بأي إصدار لسندات يورو أو سندات محلية بالدولار.. قد يقول البعض بأنها تعتبر مقرة تلقائيا بمجرد إقرار موازنة عام ٢٠١٩ وهذا كلام تعوزه الدقة فإقرار موازنة عام ٢٠١٩ لا يعني إقرار موازنة أي عام آخر حتى لو ردت أرقامه ضمنها.. ألا يتطلب الأمر ملحق موازنة عامة لعام ٢٠١٨؟.. بتقديري وإن تأخر الأمر كثيرا إلا أنه يتطلب.. فهذه فجوة تحتاج لمعالجة.. والأهم من ذلك التعلم منها مستقبلا..
الموازنة العامة بهيكليتها وبُنيتها وبنودها الحالية لا تصلح للمقارنة بصورتها الكلية مع موازنات الدول الأخرى.. ففيها بنود يُفترض ألا تكون فيها مثل التقاعد فكان الأولى منذ البدايات ألا تورد اشتراكات التقاعد أو ما يسمى بعائدات التقاعد إلى الخزينة بل إلى صندوق للتقاعد تستثمر أمواله لتغطية فاتورة التقاعد وخارج نطاق الموازنة العامة شأنها في ذلك شأن الضمان الاجتماعي.. ولكن للأسف هذا لم يحدث وما زالت ضمن الموازنة العامة مما يجعل عمليات التحليل والمقارنة غير دقيقة.. ولهذا اقترح التفكير بإمكانية تحويل مسؤولية التقاعد وتغطية فاتورته إلى شركة المساهمات الحكومية التي تدير استثمارات الحكومة..
هذا من جانب ومن جانب آخر ولتوفر البديل “الضمان الاجتماعي” منذ عقود لا بد من النص في قانون معدل لقانون التقاعد المدني على “لا تخضع أي خدمات للتقاعد المدني بعد نفاذ احكام هذا التعديل”.. وبالتالي تتجه جميع، أقول جميع، الشرائح والوظائف دون استثناء للضمان الاجتماعي..
هذا بالإضافة إلى غيرها من تشوهات في الموازنة العامة لا تصح معها المقارنات منها فوائد الدين العام وتسديد التزامات سابقة ودعومات وغيرها..
لم يُعد النهج التقليدي في ضبط الإنفاق (مثلا تخفيض ١٠٪ أو ٢٠٪ من المخصصات المرصودة) يجدي.. فالسؤال هل خصصت بدقة ابتداءً؟ ثم ماذا عن كفاءة الإنفاق؟.. كما قد تتبنى الحكومات سياسات وإجراءات ضبط الإنفاق في مجالات ولكنها لا تراعيها أو تلتزم بها في مجالات أخرى.. بل قد تُقدم على عكسها.. ما زال التعامل مع القضايا بمعزل عن بعضها أي الإدارة المجزءة وغياب الصورة الكلية.. فلابد من وحدة وثبات النهج حيثما كان ذلك مطلوبا..
كفانا حلولا ترقيعية مرحلية أو جزئية.. ولابد من الحلول الدائمة الشاملة المستدامة..
مرة أخرى أقول: ما أقوم به من قراءة وتشخيص للواقع وتحليل لمعطياته دافعه وباعثه الوحيد الصالح العام ذلك من خلال إثارة بعض الملاحظات والاقتراحات التي قد يستفاد منها أو قد يتم البناء عليها ولا يمثل بأي حال من الأحوال انتقادا أو انتقاصا مما قامت أو تقوم به الحكومة، أي حكومة، فكل حكومة اجتهدت أو تجتهد في فترة عملها ضمن قدرات طاقمها وإمكانياتها وما تواجه من ظروف وتحديات..