هفوة ترشيق ” جهاز الخدمة ” في القطاع العام ومغريات الاحالات القسرية على التقاعد !…
87
Share
الأردن اليوم – أحمد عبد الباسط الرجوب
“هفوة ترشيق ” جهاز الخدمة ” في القطاع العام ومغريات الاحالات القسرية على التقاعد !… معادلة غريبة ابتكرتها حكومة النهضة حتى يقال بأن الحكومة تمكّنت من تشغيل الأردنيين وعلى حساب الاردنيين! “
تطالعنا الصحف اليومية وعلى صدر صفحاتها قرارات مجلس الوزراء في بلادنا الأردنية في مواضيع شتى منها ما هو وليد دراسة اقتصادية او إدارية ومنها ما هو اجتهاد وزراء لديهم الرغبة في اشباع هوسهم بسخونة كرسي المنصب وما يتمخض عن ذلك من كوارث إدارية تصيب عصب القطاع العام بأمراض البيروقراطية العفنة علاوة على ما يعترية عليه من حالات الترهل والتخبط في الكثير من اركانه والتي أصبحت معروفة للقاصي والداني ولا تحتاج الى دليل كما بزوغ الشمس في رابعة النهار …
مقالي هذا اليوم سوف يسلط الضوء على موضوع ترشيق ” جهاز الخدمة المدنية ” في القطاع العام الذي تبناه مجلس وزراء بلادنا خلال اليومين الماضيين وهو قيد الدراسة بتوصية من وزارة العمل على اعتبار ان وزير العمل هو من يراس مجلس الخدمة المدنية في بلادنا ” ظاهرة لأول مرة “وما في ذلك خروج عن العرف الإداري والتنظيمي لهذه المؤسسة الهامة المعنية بالجهاز الحكومي المدني في الدولة… وما لفت انتباهي موضوع عبارة “ضخ” دماء جديدة في القطاع العام بسلسلة توصيات مثيرة للجدل والتي تضمنت قرارات جديدة بمهلة زمنية لإحالة كل موظف في القطاع العام أمضى في الخدمة 30 عاما فأكثر على التقاعد مقابل امتيازات خاصة من بينها زيادتين سنويتين وتدرج إداري وكما يتضمن أحقية كل موظف خدمته 25 بالحصول على نفس الامتيازات في حال قرر التقدّم بطلب إحالته على التقاعد ، وقد اوردت الحكومة ان الاعداد المشمولة بهذه الوصفة هى (11 الف) موظف يتقاضون رواتب سنوية تعادل (108 مليون دينار ، وتبلغ كلفة تقاعدهم (75 مليون دينار في السنة ) اي هناك وفر 22 مليون دينار سنويا … والسؤال هل هذا الرقم مجدي لاحداث فوضى اجتماعية حراكية نحن بغنى عنها…
وفي هذا الاطار نؤكد عدم اختلافنا بأن التقاعد هو نظام عالمي ومطلب لتجديد الاداء وتطوير الاعمال واستدامتها ، اذ ان منظمات العمل الدولية حينما فسرت مفهوم التقاعد اوضحت ان الشخص عندما يصل سناً معينة يفترض عليه ان يرتاح لان هناك موازنة ما بين المصلحة العامة للدولة وانتاجية الفرد والمصلحة الخاصة للفرد ، وهنا فإنني لست معنيا بتناول موضوع الاحالات على التقاعد في الظروف الطبيعية وفقا للوائح قوانين الموارد البشرية في الوزارات والمؤسسات الحكومية وما يهمني كمتابع للحالة الادارية في مؤسساتنا الحكومية هو احالة كل من بلغ 60عاما في عمرة على التقاعد ومنهم من المتميزين في عملهم ولديهم كامن الطاقات والمبادرات الشخصية والذين يعتبروا من الاصول القيمة للمؤسسة (Asset Value) والقادة الذين لهم رؤية شمولية في قيادة الاعمال ونقل خبراتهم لمن يليهم وفي ذلك استمرار في نهج اندفاعية عمل واداء المؤسسات لتنفيذ برامجها بقوة واقتدار.
لا اتناقض مع احالة اصحاب الخدمة الطويلة من الخبرات المكررة وغير المطورة مؤيدا ضخ الدماء الشابة شريطة عدم الاستغناء عن اصحاب الخبرات المتراكمة واستثمار عطائهم بالاستمرار في شغل وظائفهم، غير ان الملاحظ من هدف الحكومة هو تخفيف ثمانية آلاف موظف من القطاع العام في وجبته الأولى والذي من شأنه تمكين الحكومة من تدبير وظائف جديدة للشباب في القطاع العام وبما يتماشى مع استراتيجية النهضة التي طرحتها حكومة الرزاز والتي تحدثت عن 60 ألف وظيفة ولتفعيل برنامج التشغيل الحكوميبالتخلّص من عشرات الآلاف من الموظفين على دفعات وتعويض وظائفهم بأخرى للشباب حتى يقال بأن الحكومة تمكّنت من تشغيل الأردنيين وعلى حساب الاردنيين ” معادلة غريبة ابتكرتها حكومة النهضة “……
في رأينا يعتبر التقاعد هدر للطاقات وفقد للخبرات خاصة في هذا الوقت الذي تقدمت وتطورت الحالات الصحية واستمرار الشباب لوقت أطول – ارتفاع معدل عمر الرجال والنساء الأردنيين الى ما يقارب 75 سنة – ولا يقارن بما سبق من الأزمنة التي أعد فيها نظام التقاعد كون الحال تغير واصبح الموظف أيا كان عمله واختصاصه قادر على العطاء والتطور ، لذا من الضروري إعادة النظر في نظام التقاعد وفق المعطيات الحالية والتركيز للاستفادة من خبرات الموظفين وعطائهم وتوظيف كل ذلك في خدمة الوطن وبرامج التنمية الوطنية ، وبالطبع هناك حالات خاصة للتقاعد كالمرض والإصابة المقعدة إلا ما يسمح بمزاولة العمل وفق شروط خاصة ، وخلاف ذلك من الأمور التي يستوجب التقاعد الإلزامي من ناحية إدارية وما إلى ذلك…
وللتنويه فإن بعض الدول العربية ودول العالم قد رفعت سن التقاعد إلى 65 عاماً، ناهيك عن ارتفاع تكلفة المتقاعدين على خزينة الدولة الاردنية عاماً بعـد عام، بحيث تصل إلى حوالي ملياري دينار في السـنة (115 – 118 مليون دينار شهريا) إذا ما اعتبرنا ان المتقاعد يعيش في المتوسط لعشرين عاماً بعد تقاعده ويتقاضى راتبا تقاعديا له ولورثته من بعدة أضعاف اشتراكاته بالضمان الاجتماعي أو صندوق التقاعـد المدني.
والسؤال البريء هل تعرف حكومتنا العتيدة ويعي دولة الرئيس والذين يسارعون في احالة الموظفين الى التقاعد تحت مغريات زائفة؟ إنه من السهل على المسئول القيام بتوقيع الأوراق اللازمة لتحويل الموظف للتقاعد أو الإقصاء من الوظيفة ولكن النتائج التي تنتج من عمل هذا المسئول ” غير المسئول” كثيرة جداً نورد أهمها:
1. ثغرات القرار
– استثناء الامناء العامون في الوزارات والمؤسسات والذين تزيد خدماتهم عن 30 سنة.
– عدم الالتفات الى اصحاب العقود الشاملة (التنفيعية) ذات الرواتب الفلكية والتي يغطي العقد منها راتب خمسة موظفين.
– الاستثناء الذي فوض الوزير بالتنسيب لتمديد خدمات من كانت خدمتهم 30 سنة… وهنا يكون التمديد للاسترضاءات او محاصصات وتتم على اساس المعارف الشخصية او الجهوية المقيته .
2.على المستوى الشخصي
– انخفاض الدخل المادي للمتقاعد وما ينتج عنه من عدم قدرته على الالتزام بالأعباء المعيشية التي تزيد يومياً.
– انخفاض مستويات المعيشة لغالبية الموظفين مما سيؤدي إلى تفاقم مشكلة الفقر.
– عدم قدرة الموظف على تسديد التزاماته للبنوك مما يعرضه للملاحقة القضائية أو السجن.
– عدم إيفاء المتقاعد بمتطلبات أسرته مما قد يؤدي إلى مشاكل أسرية تنتهي في الغالب إلى الطلاق وتشتت الأسرة.
3.على مستوى الاقتصاد المحلي والدولة
-قرارات الإحالة المنوي السير بها كلمة حق يراد بها باطل فظاهره الرحمة وباطنه العذاب وما بني على باطل فهو باطل، سيفرغون الوزارات والمؤسسات من كثير من الكفاءات حتى ممن لم يبلغوا سن التقاعد القانوني.
-التأثير على أعمال البنوك لعدم قدرة المتقاعدين على تسديد ما عليهم من قروض.
-التأثير السلبي على الأسواق الداخلية بسبب نقص السيولة النقدية لدى المتقاعد.
-إضافة تكاليف مالية كبيرة جداً على بند المصروفات العامة الدولة.
-زيادة نقمة المتقاعدين على الجهاز الحكومي مما سيخلق فجوة وخلل خطير في العلاقة بين المواطنين والسلطة التنفيذية.
نحن مع الاحلال الوظيفي وضخ الدماء الجديدة في مؤسسات القطاع العام وعلى الجانب الاخر فالدولة بأمس الحاجة للخبرات والكفاءات بنسبة أكبر من حاجتها للموظفين الجدد عديمي الخبرة والتأهيل، بمعنى أن وجود الموظفين ذوي الخبرة والكفاءة أمر بغاية الأهمية نظراً لخبرتهم في العمل من جهة ولقدرتهم على تدريب الموظفين الجدد من ناحية أخرى، ومن ثم فإن التعامل مع هذه القضية سوف يحرم مؤسسات القطاع العام والخاص منهم…
إن التقاعس الحكومي في التعاطي مع البطالة والتي اصبحت تلامس 20% وعدم قدرتهم على ايجاد المشاريع الاستثمارية وعدم التصدي بحزم مع قضية تحويل الموظفين القسري إلى التقاعد امام مغريات لحظية تسوقها الحكومة (لكي تفي بما اقترحته في مشروعها النهضوي الورقي) ليس له مبرر. فأين يذهب المتقاعدون نساء ورجالا كي يسددوا متطلبات حياتهم المعيشية وكما قال أبو العتاهية مع بعض التعديل ليناسب الوضع “إن الشباب والفراغ والإفلاس مفسدة للمرء أي مفسدة’”.