هل حققت ورشة البحرين أهدافها؟

92

الأردن اليوم – الدكتور عمر الرداد

ربما لا نبتعد عن الحقيقة كثيراً، إذا قلنا إنّه من المبكر إصدار أحكام قاطعة حول نجاح أو فشل ورشة البحرين، التي انعقدت قبل أيام في المنامة، بوصفها الشق الاقتصادي لمّا يسمّى “صفقة القرن”، وأنّها جاءت في إطار التمهيد لإطلاق الشق السياسي منها لاحقاً، في الوقت الذي تقرره الإدارة الأمريكية، والمرتبط أساساً بمرحلة ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في أواخر شهر أيلول (سبتمبر) المقبل.

اقرأ أيضاً: ورشة البحرين: الفلسطينيون يرفضون الرفاهية الاقتصادية تحت الاحتلال
وفي تقييم نتائج الورشة يلحظ المتابع بروز وجهتي نظر، كان واضحاً أنّهما سبقتا انعقادها؛ الأولى: يعتقد مروّجوها أنّ مجرد انعقاد الورشة على مدى يومين، والمشاريع “المقترحة” التي طرحت خلالها، تمكّنت من فتح ثغرة في عملية السلام المتوقفة بفعل “انحيازات الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب لإسرائيل” واتخاذ إجراءات أحادية، ضربت الأسس المتعارف عليها لعملية السلام، بما فيها القرارات الدولية التي تقر بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره والدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس، إضافة إلى عودة اللاجئين.

يعتقد البعض أنّ ورشة البحرين تمكّنت من فتح ثغرة في عملية السلام المتوقفة بفعل انحيازات الإدارة الأمريكية لإسرائيل

أمّا وجهة النظر الثانية؛ فيمثلها الرأي العام العربي والفلسطيني، الذي رأى بانعقاد الورشة تفريطاً وتنازلاً مجانياً عربياً رسمياً تم تقديمه لصالح وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية، في إطار موقف رافض لـ”صفقة القرن”، وجوهرها دولة هلامية فلسطينية تتبع لإسرائيل وتخضع لها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وتثبيت الأمر الواقع بما فيه الاحتلال، مقابل إغراءات اقتصادية ومالية على شكل مشاريع طويلة الأجل، في مقايضة مكشوفة، عبر الفلسطينيون رسمياً وشعبياً عن رفضهم لها، ومعهم غالبية الرأي العام العربي.

رسمياً شاركت الحكومات العربية في الورشة، وإن كان بمستويات مختلفة، عكست حجم ومساهمة وحضور كل حكومة في عملية السلام، بما فيها حكومات مجلس التعاون الخليجي، وكان لافتاً أنّ مستوى المشاركة القطرية كان الأعلى، رغم عدم تعرض وسائل إعلامية وكتاب ومحللين لتلك المشاركة، علماً بأنّ الحكومة القطرية حاضرة وبقوة بوصفها وسيطاً في المفاوضات السرية بين حركة حماس وإسرائيل، بالإضافة لإسهاماتها في تمويل قطاع غزة وتقديم مساعدات مالية للقطاع للتخفيف من أعباء الحصار الاقتصادي المفروض على غزة.

اقرأ أيضاً: الرفض الفلسطيني لصفقة القرن هل يدفع واشنطن للبحث عن قيادة بديلة؟

ما بعد ورشة البحرين لن يبتعد كثيراً عما قبلها؛ إذ يرجح أن تتواصل الجدالات في المنطقة وفقاً لوجهتي النظر المشار إليهما، ويتوقع أن تزداد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على السلطة الفلسطينية، والجانب العربي، بحجّة أنّ الفلسطينيين والعرب يرفضون ما تم طرحه في المنامة، ويتحملون تداعيات الأزمات الاقتصادية ومعاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع اتخاذ أمريكا وإسرائيل مزيداً من إجراءات الحصار الاقتصادي على السلطة الفلسطينية وحماس.

اقرأ أيضاً: غزة.. بيضة قبان “صفقة القرن” وموقف حماس الصعب

وبالتوازي فإنّ الرهانات ستكون قائمة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، على موقف فلسطيني وعربي يتمسك بالحد الأدنى لشروط عملية السلام، وفي مقدمتها الدولة الفلسطينية المستقلة، وحدود الرابع من حزيران، خاصة وأنّ غالبية الدول العربية، بما فيها المشاركة في ورشة البحرين تؤكد ذلك.

لدى الحكومات العربية اليوم فرصة لمواجهة “صفقة القرن”، وتفنيد المزاعم الإسرائيلية، التي ستذهب باتجاه القول إنّه لا يوجد هناك شريك فلسطيني في عملية السلام، من خلال التمسك الجاد بمبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة السعودية في بيروت عام 2002، ووافقت عليها الدول العربية، وجوهرها الأرض مقابل السلام والتطبيع، خاصة وأنّ هناك موقفاً دولياً تمثله الدول الأوروبية والصين وروسيا، يؤكد رفضه لـ “صفقة القرن” والتزامه بالدولة الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية ذات الشأن.

إنّ موقفاً فلسطينياً موحداً تجاه صفقة القرن يعد أهم شروط نجاح المواجهة ويتطلب مصالحة فلسطينية بين فتح وحماس

أما على الجانب الفلسطيني؛ فإنّ موقفاً فلسطينياً موحداً تجاه ورشة البحرين و”صفقة القرن” يعد أهم شروط نجاح المواجهة، ويتطلب مصالحة فلسطينية بين فتح وحماس، بالترفع عن المكاسب الفصائلية؛ إذ لا يمكن أن تطرح “صفقة القرن” وحدة الضفة وغزة في الوقت الذي تقنن فيه فتح وحماس الانفصال، وتتبادلان الاتهامات الممجوجة حول مسؤولية إفشال المصالحة، كما أنّ إطلاق انتفاضة “سلمية” فلسطينية ثالثة، لا تذهب باتجاه “العسكرة”، فانتفاضة “الحجر” الأولى التي لفتت أنظار العالم لقضية الشعب الفلسطيني والاحتلال، لم تستخدم أسلحة إيران، ولا تهديدات الحرس الثوري الإيراني، ولا صواريخ حزب الله، ولا خطابات الرئيس أردوغان، تلك الانتفاضة “الشعبية” ستكون ورقة ذات أهمية قصوى، بيد القيادة الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة، لكن دون إخضاعها لحسابات الصراعات الإقليمية في المنطقة، وعلى أن تكون بهدف واحد فقط وهو تحقيق الاستقلال وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقد ثبت في الانتفاضة الأولى والثانية أنّ الرأي العام العربي والإسلامي لطالما كانت ردوده واستجاباته عالية للرأي العام الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: الانقسام وصفقة القرن ليسا قدراً على الشعب الفلسطيني

الأشهر القليلة حاسمة تجاه “صفقة القرن”، ومع نهاية العام ستكون الإدارة الأمريكية غير قادرة على الفعل والمبادرة، كما هي اليوم، مع بدء التحضير للانتخابات المقبلة، بالإضافة لانشغالات تلك الإدارة بملفات ذات أهمية أكبر بالنسبة للإدارة الأمريكية “الصراع الاقتصادي مع الصين، ومع روسيا، وأزمات لامتناهية مع أوروبا”، ويجدر بالقيادة الفلسطينية عدم ربط رهاناتها على احتمالات التغيير بعد الانتخابات الإسرائيلية، أو الانتخابات الأمريكية القادمة، وأن تبقي رهاناتها على الشعب الفلسطيني وصموده.

اترك رد