عقد من الزمن على تقاطر وزراء التخطيط والاستثمار وغياب المبادرات الريادية الحكومية

80

الأردن اليوم – احمد عبد الباسط الرجوب

 

” عقد من الزمن على تقاطر وزراء التخطيط والاستثمار … غياب المبادرات الريادية الحكومية ونماذج المشاريع الناجحة لتعزيز ثقة المستثمرين … غياب المحكمة المتخصصة بالفصل في منازعات الاستثمار والتجارة ”

 

كانت السنوات الماضية التي تلت العام 2011 والى يومنا والمتضمنة للظروف التي صاحبت ما يسمى بالربيع العربي، من أكثر السنوات تراجعًا في النمو الاقتصادي الأردني وما يتبعها من العجوزات المتتالية في موازنة الدولة والذي عكس تراجع الخطط التنموية وادواتها، … وفي هذا السياق كان واضحا بأنه لا تتوقف الخطط التنموية على اداه أو دور واحد فقط تقوم به الدولة، بل كان يجب أن تتضمن أية خطة أو استراتيجية كافة العناصر التي تشكل الاقتصاد الوطني. وإن كان للقطاع العام الدور الأكبر في أية خطة، فإن للقطاع الخاص والجماعات والأفراد أدوارا لا تقل أهمية، باعتبارهم مشاركين فاعلين فيها ويتأثرون بها أيضا. من هنا تأتي أهمية المشاركة الجماعية وأخذ آراء تلك الأطراف وإمكانياتهم وقدراتهم في الاعتبار عند وضع الخطط، حتى تتحقق الأهداف المرسومة، وتسهم هذه الخطط بالفعل في الإسراع بعملية التنمية بالدولة.

 

في الاقتصاد هناك ما يسمى بتكلفة الفرصة البديلة، وهي تعني أنك أمام فرصة إما أن تستثمرها وتعظم منفعتك منها أو لا تستفيد منها، ومن هنا فإن الظروف المالية التي تعيشها الدولة حاليا وارتفاع المديونية والتقلبات السعرية في النفط وانقطاع الغاز المصري ابان حقبة ما يسمى بالربيع العربي في السنوات ,2013 ,14 ,15 وما شهدته تلك السنوات من أزمات جعلت الدولة تعيد حساباتها بالنسبة لتسعيرة النفط، وترتبت على الدولة الاردنية التزامات مالية ضخمة باتت معروفة للقاصي والداني…

 

عقد من الزمن على تقاطر وزراء التخطيط والاستثمار في حكومات بلادنا المتعاقبة، ولكن الملاحظ للأسف بانه لا يوجد نهوض او تحول اقتصادي بالمعنى الملموس بقدر ما هي خطط سنوية لا ترقى الى التعويل عليها في دفع عجلة الاقتصاد الوطني ” وهذا ليس رأيي ” بقدر ما هو رأي النقاد والعارفين بالأمور الاقتصادية وقد يكون مردة الى عدة أسباب نوجز بالشرح عن بعض منها من حيث واقعها او الحاجة الى اصلاح او استحداث اليات قد تسهم في تحريك دولاب الاقتصاد الوطني الى حيث ما يجب، وهذه رؤيتنا:

 

(1)

 

التخطيط الموجه

 

اتبعت الدولة الاردنية في نهجها لإدارة الاقتصاد الوطني ما يسمى بالتخطيط الموجه، وهذا الأسلوب فرضته الفلسفة الاقتصادية التي كانت ولاتزال تحكم اقتصاد الدولة، والقائم على نظام الاقتصاد الحر والسوق المفتوحة. وهذه الفلسفة هي التي قادت الدولة إلى عدم الأخذ بأسلوب التخطيط الشمولي، وهنا لابد أن نفرق بين الشمولي والشامل، فالأسلوب الشامل يأخذ جميع قطاعات الدولة في الحسبان لكن بالأسلوب الموجه، في حين أن الأسلوب الشمولي في التخطيط تأخذ به الأنظمة الاشتراكية كالاتحاد السوفييتي السابق. إن وضع الخطط بالمفهوم التقليدي للخطة، وما تتضمنه من سياسات واستراتيجيات، لم يعد هو الأسلوب الأمثل في التخطيط. إذ أصبح على الدولة أن تقوم بتحديد الأهداف والاستراتيجيات العامة وتترك للقطاع الخاص عملية التنفيذ، من خلال المشاريع التي يرى كلا الطرفين ـ” الحكومة والقطاع الخاص ” أنها تحقق هذه الأهداف والاستراتيجيات…. وكمثال على هذا أسلوب التخطيط في اليابان، حيث يتم قبل وضع الخطة دراسة حالة الاقتصاد الياباني وعلاقاته باقتصادات الدول المختلفة، ومن ثم تحدد السياسات والأهداف الإنتاجية للقطاع الخاص، وبعدها تقوم الحكومة بتقديم التسهيلات لهذا القطاع لكي يقوم بتنفيذ الخطط في مختلف القطاعات الإنتاجية وغيرها، ولتساعده في اختراق والوصول إلى الأسواق العالمية بمنتجاته وسلعه. وهذا الأسلوب هو الذي يجب أن يتبع ويعمل به حيث انه بإمكان الأردن تتبع هذا النوع من التخطيط، من خلال قيام الحكومة بالترويج للمشاريع الاستثمارية الاستراتيجية في البلاد واستغلال العلاقات الطيبة بين الأردن ودول العالم وخاصة الصناعية منها والذي يمكن أن يسهم في فتح أسواق هذه الدول أمام المنتجات الوطنية وإقامة قاعدة للصناعات الوطنية، لأن الأسواق أحد أهم مقومات نجاح الصناعة…

 

(2)

 

العشوائية في التخطيط الاقتصادي

 

في رأينا … أن التخطيط في بلادنا تغيب عنه المنهجية العلمية، مما كلفنا الكثير من النفقات المالية والجهود البشرية والوقت الطويل دون تحقيق نتائج فعلية تتساوى مع الجهود المبذولة والإمكانيات المتاحة. على أننا لانزال نخلط أثناء معالجتنا أو تشخيصنا لواقعنا الاقتصادي بين التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي، ليس لدينا نمو اقتصادي وهذا لا يتحقق الا بفعل قوة رأس المال كما هو الحال في دول الخليج النفطية (تدفق إيرادات البترول) ، كما أنه لا توجد تنمية اقتصادية حقيقية بالمفهوم العلمي الصحيح، رغم وجود بنى تحتية متطورة أنفقت عليها المليارات من الدنانير، وكلفت الدولة أعباء مالية ضخمة ، وللتذكير بان المجلس القومي للتخطيط والذي اصبح لاحقا ”  وزارة التخطيط ” قامت في بدايات تكوينها بالدور المرحلي آنذاك، حيث قامت بناء على توجهات الدولة في نهاية فترة السبعينيات بدورها من خلال وضع خطة خمسية، كلفت الكثير من الجهد والنفقات المالية، وكانت تلك هي الخطة الخمسية 1981 ـ 1985. إلا أن تلك الخطة لم تر النور وظلت حبيسة الأدراج، وقد كان سبب عدم تنفيذ تلك الخطة غياب الاعتمادات المالية اللازمة والتخطيط العشوائي الذي يفتقر الى التخطيط الشامل…

 

غياب التخطيط المركزي اظهر العشوائية في التخطيط الاقتصادي والتي انعكست على مجمل الأوضاع الاقتصادية، حيث برزت ظاهرة ازدواجية المشاريع ولاسيما الصناعية منها، وكذلك وجود شركات ومؤسسات تتضارب في الأهداف مما نشأ عنه منافسة غير متكافئة لا تخدم أغراض التنمية الاقتصادية، وتكرست مشاريع محلية على حساب الأوضاع الاقتصادية دون وجود تخطيط اقتصادي متوازن وهادف إلى التنمية الشاملة ولاسيما الاقتصادية. والنتيجة كانت فشل بعض المشاريع ولاسيما الصناعية، ويعني ذلك هدرا لطاقات وإمكانيات كان الأجدى أن يتم توظيفها في خدمة مشروعات التنمية الاقتصادية،

 

(3)

 

الأمن الاستثماري

 

نظرا للتطورات الاقتصادية المتلاحقة والسريعة فقد دعت الحاجة في كثير من دول العالم إلى الاهتمام بوضع القوانين المنظمة للاستثمار والتجارة تيسراً وتسهيلاً على المتقاضين والمستثمرين لدفع عجلة الاقتصاد وانشاء كيانات قانونية وقضائية متخصصة للفصل في دعاوى الاستثمار والدعاوى الاقتصادية من خلال قضاة متخصصين لديهم الخبرات القانونية اللازمة، وذلك في إطار الرغبة الصادقة من الدول في التطوير وخلق المناخ المناسب والجاذب للاستثمار حيث ان الكثير من الدول اصبح لديها محكمة للاستثمار والتجارة تتولى تسريع الإجراءات المتعلقة باحتياجات المستثمرين وهى نموذجا في تطبيق القوانين التجارية والمالية ذات الصلة، وتساهم في خلق مناخ ملائم وجاذب للاستثمار، وهذا يندرج ضمن خطة الدولة الاستراتيجية المتكاملة لتطوير القضاء وتعزيز كفاءته، مما يساهم في اعطاء مزيد من الثقة للشركات والمستثمرين للمزيد من الاستثمار داخل الدولة، وبالتالي فإن انشاء هذه النوعية من المحاكم المتخصصة اضحت ضرورة ملحة في هذا الوقت، لمواكبة التطورات الاقتصادية العالمية…

 

وفي هذا المقام … نضع هذا الاقتراح امام صاحب الولاية العامة لدراسة هذه المقترحات وانشاء المحكمة المتخصصة بالفصل في منازعات الاستثمار والتجارةوتحديد اختصاصاتها بشكل واضح يمنع التداخل بينها وبين المحاكم الأخرى، وأن يصدر قرار بأنشائها واختصاصاتها بعد دراسة متأنية وتلافياً لوجود تنازع في الاختصاصات، مع العمل على ايفاد بعض القضاة للدول المتقدمة في ذلك المجال لأخذ الخبرات والتدريب اللازم كي يستطيعوا انجاح تلك التجربة الرائدة والتي سيكون لها أثر كبير على الاستثمار وعلى المستثمرين، وأن تعمل الجهات المختصة على تقليص مدد التقاضي والعمل على الاسراع في الفصل في القضايا ووضع آليات سريعة للتنفيذ لمنع تجميد رؤوس الأموال وعدم الاستفادة منها…

 

وهنا اسأل: ها نحن نقترب من المئوية من عمر دولتنا … ما هي نظرتنا الاقتصادية للأوضاع الحالية؟ وكيف ننظر إلى آفاق اقتصادنا الوطني في ظل التحولات والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية التي يشهدها العالم حاليا؟ وما هي آفاق تفكيرنا واستعدادنا للمرحلة المقبلة؟ وكيف ننظر إلى مستقبل دولتنا على ضوء أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية الحالية؟ … أسئلة مشروعة لمن يريد أن يسير في ركب الدول التي تنشد الاستقرار والتقدم.

 

باحث ومخطط استراتيجي

اترك رد