في عقدها العاشر.. الثورة بعيون بحّارة تونس
يمتصّ سمير بإسفنجة مياه الأمطار العالقة في زورق صديقه، ثم يجففها خارجا استعدادا لاستئناف نشاط صيد السمك المتوقف منذ نحو أسبوع بسبب الطقس السيئ الذي قلب مورد رزقه الضئيل إلى سراب.
وبسبب تقدّمه في العمر يزداد وضع الرجل سوءا دون عمل أو معاش أو بطاقة علاج مجانية أو أي رعاية تحفظ كرامته كغيره من المهمشين، فقد مضى عقد على الثورة التونسية دون أن يحقق حلما.
بالقرب منه يتابع سمير دخول زورق صيد للبحر مصارعا الأمواج الهائجة، قائلا إنّ قسوة العيش في تونس تدفع الكثير من البحارة إلى ركوب الخطر بحثا عن الرزق، “فمن دون مخاطرة لا وجود للقمة عيش”.
والوضع السيئ لا يقتصر على البحارة؛ فجلّ التونسيين، كما يرى محدّثنا، عيشتهم ضنك بعد الثورة. وعندما تسأله ما الذي يربطك بالدولة؟ يقول “لا شيء يربطني بالدولة سوى أنني أدفع فواتير الماء والكهرباء أحيانا”.
تلفح وجهه هبات رياح باردة قادمة من الأفق البعيد من بحر رادس الشاطئ فيشعل سيجارة بضجر مشيعا بصره التائه نحو سفن سياحية قادمة من وراء البحار باتجاه الميناء التجاري بحلق الوادي بالعاصمة.
شارد البال يسترجع سمير ذكريات شبابه في حقبة التسعينيات عندما كان يسترزق من السياحة بحكم إجادته بعض اللغات، ثم يستدرك “الآن توقفت عقارب زمن السياحة عن العمل بسبب تداعيات الثورة”.
رغم مرور الزمن وضيق حاله، فإن سمير لم يكترث لوضعه وقيامه بإنقاذ أرواح قطط جائعة أو كلاب سائبة طالما آواها بمنزله الموروث، ومع ذلك يلقي لوما ثقيلا على الحكومات المتعاقبة لتردي أوضاع بلاده.
وعندما حظي بمساعدة حكومية تعادل 75 دولارا بسبب كورونا، سألته سيدة مسؤولة إن كان يعرف من تحصّل على المساعدة دون أن يستحق؟ وأجابها “كل من أعرفهم يستحقون مساعدة ولكن لم يحصلوا على شيء”.
بحكم قربه من الطبقات الشعبية يكشف سمير عن وجود نقمة واسعة لدى الناس بسبب الحرمان، ففي واقعة أدهشته دفع رجل فقير ولده الصغير بعنف من ظهره كان يطلب شراء كعك مملح بـ100 مليم.
جوف القاع
يقدّم سمير يد المساعدة لبحار يسعى لجرّ زورقه بصعوبة نحو البحر سعيا وراء السمك بعد أسبوع بلا إبحار ولا رائحة شواء. يقول البحار فتحي إنه مضطر للمخاطرة في الطقس السيئ لإطعام عائلته الجائعة.
تخرج كلماته بأسى من بين فراغات أسنانه المندثرة بفعل الرطوبة، مشيرا بإصبعه إلى محطة قريبة لتوليد الكهرباء، قائلا إنها عمّقت شقاء البحارة بسبب تلويثها شاطئ رادس حيث لا وفرة للأسماك.
وفيما تحتفل تونس بالذكرى العاشرة لاندلاع شرارة الثورة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، يعتبر البحار فتحي أن الثورة حادت عن مسارها الصحيح بسبب انتشار الفقر والبطالة وتفشي الفساد والسياسيين الفاشلين.
يقاطعه البحار “توتو” قائلا إنه رجل متقاعد ولكن بدلا من أن ينعم بالراحة تدفعه الحاجة إلى ركوب خطر الموج للاسترزاق. وبسبب ضيق الحال يقترض هذا البحار لكنه يعجز عن إرجاع المال فيختلق الأعذار.
بالنسبة إليه ضاع الأمل في السياسيين عقب الثورة بسبب تقاسمهم غنائم الانتخابات والسلطة، بينما ظلّت حياة الناس متهاوية إلى جوف القاع دون حلول تنزع عن قناعتهم غيوم الإحباط وخيبة الأمل.
وقد شهدت عديد المناطق التونسية مؤخرا، احتجاجات عارمة بسبب غياب التشغيل والتنمية، بينما ظلّ البرلمان يعيش تجاذبات سياسية محتدمة دفعت اتحاد الشغل لتقديم مبادرة للحوار بين الفرقاء.
وتهدف هذه المبادرة التي لم تلقَ تجاوبا حتى الآن إلى طرح حلول بديلة لإنقاذ الاقتصاد التونسي المتعطل، حيث ينتظر أن يسجل هذا العام نسبة نمو سلبية بـ7%، في بلد تتزايد فيه المطالب الاجتماعية.
المصدر : الجزيرة