الاردن اليوم – مع انطلاق حملات الانتخابات التشريعية، يتوجه التونسيون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار الرئيس السادس للجمهورية، في استحقاق مفتوح على كل الاحتمالات، في ظل انقسام سياسي وعدد مرشحين غير مسبوق، بينهم قطب إعلامي مسجون ورئيس وزراء لا يحظى بشعبية وأول إسلامي.
بعد حملة اتسمت بالحدة وفتحت المجال على كل الاحتمالات، تفتح مكاتب الاقتراع صباح اليوم أمام التونسيين لانتخاب رئيسهم السادس، في دورة أولى يتنافس فيها 26 مرشحاً، في ثاني انتخابات رئاسية ديمقراطية.
وقبل شروعها بتوزيع 14 ألف صندوق اقتراع على 4564 مركز اقتراع في 27 دائرة انتخابية مدعمة بحماية عسكرية، دعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات 5.3 ملايين تونسي للتصويت من الساعة الثامنة صباحاً حتى السادسة مساء اليوم بالتوقيت المحلي.
وستقام عمليات الفرز في كل مكتب اقتراع، وفي حال عدم حصول أي مرشح على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين “50 في المئة زائد واحد” في الدورة الأولى، تجرى دورة ثانية بين المرشحين الحائزين على أعلى نسبة، وفق القانون.
وفي الخارج، فتحت السفارات والقنصليات التونسية في أوروبا والدول العربية والولايات المتحدة وأستراليا أبوابها لاستقبال 386 ألف ناخب تمت دعوتهم للتصويت منذ منتصف ليل 12 الجاري إلى 15 منه الموافق اليوم.
حظر الدعاية
وحذّر رئيس هيئة الانتخابات، نبيل بفون، من القيام بأي أنشطة دعائية في محيط مراكز الاقتراع وعدم رفع صور المرشحين، مؤكدا حظر جميع أشكال الدعاية والتغطية للأحزاب والفاعلين السياسيين الداعمين لهم، ومنع بث أو إعادة بث البرامج المتعلقة بالحملة الانتخابية بصفة كلية أو جزئية ونشر نتائج آراء لها صلة مباشرة أو غير مباشرة عبر مختلف وسائل الإعلام.
ويخوض السباق الرئاسي 26 مرشحاً، بينهم الرئيس السابق المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ونظيره السابق مهدي جمعة، ووزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي، والقيادي البارز في حركة النهضة الإسلامية عبدالفتاح مورو، ونظيره السابق حمادي الجبالي، إلى جانب رجل الأعمال وقطب الإعلام نبيل القروي، الذي تثير قضية توقيفه غير المسبوقة أسئلة قانونية في حال تمكّنه من الفوز في الدورة الأولى وهو قابع في السجن، إضافة إلى المرشحة المناهضة للإسلاميين عبير موسى، وأستاذ القانون الدستوري المحافظ قيس سعيّد.
الزبيدي والقروي
وفي حين أبقى القضاء على القروي مسجوناً بتهمة تبييض الأموال، أكد حزب “حركة مشروع تونس” انسحاب مرشحه محسن مرزوق من السباق بشكل رسمي لدعم الزبيدي، على غرار قرار السياسي ورجل الأعمال سليم الرياحي الملاحق قضائياً والموجود خارج تونس أمس الأول انسحابه دعما للمرشح، الذي يحظى بدعم صريح من حزبي “آفاق تونس” و”حركة نداء تونس” الليبراليين، إلى جانب “حركة مشروع تونس” وعدد من السياسيين المستقلين.
ووسط تحركات تقودها “العائلة الوسطية والديمقراطية لتوحيد أصوات منتسبيها حوله منعاً لتشتت الأصوات، أشارت تقارير إلى أن هناك أنباء عن انسحابات متوقعة لآخرين لمصلحة الزبيدي، مثل سلمى اللومي وناجي جلول وسعيد العايدي.
شارع الثورة
وعشية دخول الانتخابات مرحلة الصمت الانتخابي، تحوّل ليل الجمعة- السبت شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة إلى بازار سياسي، نظمت فيه اجتماعات حزبية لمورو وحزب القروي، وحملة اليساري حمة الهمّامي، وكذلك مرشح “الجبهة الشعبية” المنجي الرحوي.
ومع انطلاق اجتماعه الشعبي، تعهد مورو بالخروج من عباءة حزبه، وأن يكون في حال وصوله لقصر قرطاج رئيساً لكل التونسيين، والسعي لتعزيز الوحدة الوطنية ولعب دور أكبر في الملف الليبي.
وبينما وقف المئات في نهاية الشارع الملقب بـ “شارع الثورة” أمام شاشة عملاقة لصورة القروي، خصص الشاهد اليوم الأخير من حملته لزيارة بعض الأحياء المتاخمة للعاصمة، مؤكدا أنه سيعمل على تعافي الاقتصاد.
وفي أعقاب اختتام حملته الانتخابية في 23 محافظة، قال الشاهد: “هناك ثلاث قوى في الميدان، هناك مورو وقلب تونس (حزب القروي) وتحيا تونس. البقية ليسوا موجودين. يوم الاقتراع العمل الميداني هو الفاصل”.
وفي حين توجه مرشحون آخرون لبعض الولايات، حذّر الرحوي التونسيين من “إعادة انتخاب نفس الوجوه التي فشلت في السنوات الأخيرة بتحقيق أهداف الثورة”، في حين تعهد الهمامي في حال انتخابه بإطلاق مفاوضات مع المؤسسات الدولية المانحة من أجل إسقاط الديون.
كل الاحتمالات
وتعتبر انتخابات اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات. ونادرا ما شهدت تونس مثيلا لها، وذلك بالنظر إلى عدد المرشحين وانقسام العائلات السياسية التي قدمت أكثر من مرشح ومتنافس.
ورغم تراجع ملف مكافحة الإرهاب لمصلحة الهموم المعيشية، لم تتضمن الحملات الانتخابية مقترحات وحلولا حقيقية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما فيما يتعلق بالبطالة ونسبة التضخم التي لا تزال مستقرة عند 7 في المئة.
ومع انتهاء الحملة الرئاسية، انطلقت ليل الجمعة – السبت حملة الانتخابات التشريعية المقررة في السادس من أكتوبر، مما يزيد في تعقيد الأمور لدى الناخبين، لأنه لا شك في أنها سيكون لها تأثير، خصوصاً على الدورة الثانية من الاستحقاق الرئاسي في حال لم يحصل أي من المرشحين على 50 في المئة من الأصوات.
وقدمت الانتخابات الرئاسية من شهر نوفمبر إلى اليوم، إثر وفاة الباجي قائد السبسي أول رئيس منتخب ديمقراطياً بعد ثورة 2011، والخامس في تاريخ الجمهورية بعد الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وفؤاد المبزع والمنصف المرزوقي.
أزمة الثقة
ورأت مجموعة الأزمات الدولية أن “حدة الصراع الانتخابي تكشف عن حيوية ديمقراطية”. ولكن في المقابل هناك “خطر الانحراف عن المسار”، وذلك بسبب “أزمة الثقة” لدى التونسيين تجاه المؤسسات وشراسة التنافس.
والانتخابات، التي لا يمكن التنبؤ بنتيجتها على مدى تجربتها القصيرة مع الديمقراطية، لن تشكل فحسب نهج تونس المثقلة بالديون في التعامل مع العلاقات الدولية وقضية الإنفاق العام العويصة، وإنما ستختبر أيضا النموذج السياسي التوافقي الذي تطبقه وطريقة ممارسة الديمقراطية بها.
وتابع الناخبون على نطاق واسع المناظرات التلفزيونية بين أغلبية المرشحين المختلفين في الأفكار، على أمل تضييق نطاق اختياراتهم، لرئيس لا يتمتع بسيطرة مباشرة سوى على السياسات الخارجية والدفاعية، مقابل سيطرة رئيس وزراء يختاره البرلمان على معظم الحقائب الوزارية.