البطاينة: فتشوا بين صفحات التاريخ فهي مليئة بالحكايات … الزعيم شلاش المجالي شقيق أول سجينتين سياسيتين بالشرق الاوسط
كتب المهندس سليم البطاينة
لطالما كان للقبائل والعشائر الاردنية دوراً أجتماعياً وسياسياً واقتصادياً أساسياً في المشهد الاردني … ففي فترة الحكم العثماني وبعده تم دعم دور زعماء تلك القبائل والعشائر وتم منحهم القاباً مميزة … فقد كان لهم تاريخ مُشرف في الحفاظ على آمن الوطن واستقراره في مراحل متعددة من تاريخ الاردن .. حيث حينها كان من الصعب جداً الفصل بين سياسة الدولة وسياسة التجمعات القبلية والعشائرية
فقد سمعت من والدي واعمامي رحمهم الله الكثير عن رجالات وقادة الزمن القديم في الاردن فأحد أعمامي اللواء محمد أحمد سليم البطاينه وكان قأئداً للجبهة الغربية وقبلها قائداً للواء الحسين بن علي في معان و العميد سامح البطاينه والذي كان مديراً لشرطة الكرك … ورضا أحمد سليم البطاينه والذي كان مديراً ومرافقاً خاصاً لكلوب باشا .. فكانوا دوماً يتحدثون عن الزعيم شلاش فارس المجالي ( ابو جزعة ) والذي لقب من قبل الاتراك بالزعيم فقد كان له دوراً سياسياً بارزاً في فترة الاحزاب الوطنية .. وتميز بمواقفه الوطنية مع الراحل حسين باشا الطراونة .. وعُرف عنه الكرم ولَم يخشى الفقر وكان يجود بما عنده .. فقد كانت له مطحنة حبوب ومخزناً للقمح ببلدة السماكية في بين المرحوم الشيخ بشارة الحجازين ( ابو شاهر ) وكان ديوان شلاش يعج بالضيوف والزوار والسمار وأصحاب الحاجات
ففي عام ١٩٤٧ مرت على الاردن سنوات محل وجفاف كانت شديدة حتى الفقر .. وكان للزعيم امين سره دغمان الغثي القادم من حائل في السعودية اثر قصة كبيرة حدثت معه وهاجر وهو في سن الخامسة عشر من عمره واستقر وحطت به الرحال في بيت الزعيم .. وعاش في منزل ابو جزعة كواحد من إبنائه له ما لهم ولا يكلف بما يكلفون
فقد كان الزعيم شلاس يرسله إلى الطريق الرءيسي لعله يصادف مسافراً تقطعت به السبل .. فقد كان لدغمان الدور الكبير في استقبال الزوار وتجهيز الديوان وتلبية احتياجاتهم . وكان عبارة عن أمين مجلس شلاش ومسؤلاً عن أعماله ومُهماته … أي مدير مكتبه
وعلى الجانب الاخر من البيت كانت زوجة الزعيم الشيخة ام خالد تقضي جل وقتها في اعداد الخبز والطعام للزوار والذين تقطعت بهم السبل
فالكثير من الرجال والزعامات القبلية والعشائرية في الاردن رسخوا مكانتهم وأبقو زعامتهم فاعلة وكان شلاش أحدهم .. فقد تميز بقدرة فائقة على النهوض بدوره في شتى المجالات دون ان يغلب جانباً على الاخر ……. فكان وللحق متفرداً ومُميزاً في زعامته ويُعد مدرسة وطنية … وقد كُتب عنه الشعر تعبيراً عن كرمه وشجاعته وحكمته ( خليهن على هواهن بيت ابو جزعة ملفاهن ويا طير يا مرفرف الجنحان سلم على شلاش ومجلي وسلم على باقي العُربان حتى الغضي منهم … )
فمن زار متحف اسطنبول وجد صورة تعود لعام ١٨٧٠ م للشيخ فارس سلامة المجالي رئيس بلدية الكرك ١٨٧٠-١٩٠٠ م .. وهو والد الزعيم شلاش ووالدُ أول سجينيتين سياسيتين في الشرق الاوسط وهما ( مشخص فارس المجالي ) زوجة قائد هئية الكرك الشيخ قدر المجالي … وبندر فارس المجالي والدة المُشير حابس باشا المجالي
فالحكمة والايثار والكرم عند الكثير من الزعامات القبلية في الاردن كانت سبباً رئيسياً في جعلهم زعامات قوية .. فقد أكتسبت خبرات سياسية وكان ذلك هو تعبير قوي وهي أن البناء القبلي والعشائري قادر على تأكيد حضوره كقوة فاعلة ومؤثرة …. فالدولة في تلك الايام ولدت من أحشاء القبيلة وليس العكس وكان لها الدور الكبير في تركيبة الدولة وفِي البناء السياسي لها …. فقد كانت القبيلة مُكمل للقانون وليس مكون له … واستطاعت تلك القبائل ان تحمي وجودها عبر مراحل معينة
فمن أحفاد فارس وابناء الزعيم شلاش هم فناطل وطايل ونايل وخالد وراقي وعبطان عليهم رحمة الله … وطارق وقفطان وزير الداخلية والسفير السابق في السعودية
فكاتب هذا المقال عرف قفطان منذُ ٣٥ عاماً عندما كان ابا فراس متصرفاً الاغوار الشمالية وكنت حينها مساعداً لمدير مياه محافظة اربد معالي المهندس منير عويس …. فمن عرف قفطان عن قرب يكتشف بأنه لا يعرف إلا طريق الحق والصواب والصدق فقد حمل اسم والده وجده .. وكان يؤدي واجبه دون تهاون أو تفريط .. وكان يؤمن وما زال بأن الهاشميون والدولة الاردنية هما كل شي….. ولَم ينظم لأي نادٍ أو صالوناً سياسياً حتى بعد تقاعده المُبكر .. فقد وصف تلك الصالونات بأنها بعيدة كُل البعد عن العمل السياسي وعن نبض الناس وهمومهم