الأردن اليوم -تطمح شركات الإنتاج العربيّة إلى التوسّع نحو جمهور من كافّة أنحاء العالم عبر البث الرقمي من خلال منصات عالمية يتوقّع أن تحل قريباً مكان التلفزيون، حيث لا مواعيد محددة للعرض، ولا إعلانات.
الأعمال العربية كما هي عليه قد ترضي شريحة كبيرة من المشاهدين العرب، لكنها تبدو أمام مهمّة صعبة إذا ما عرضت على المنصات الرقمية، طامحة نحو جمهور أوسع لأسباب التالية:
تعتمد المنصّات العالميّة في إنتاجاتها الأصليّة على مسلسلات لا تتجاوز الثماني أو التسع حلقات كحدٍ أقصى، وتمدّد الأعمال الناجحة إلى مواسم بحسب نجاح العمل، وكل موسم يتضمّن عدداً قليلاً من الحلقات، بحيث أنّ لكل مشهد ضرورة دراميّة بعيداً عن المطوّلات.
تعتمد المسلسلات العربيّة على سياسة التطويل، نزولاً عند رغبة المحطات، التي تتحكّم بعدد الحلقات، خصوصاً في الأعمال المخصًصة للعرض الرمضاني، بحيث لا يقل عدد الحلقات عن 30، حتى لو لم تكن القصّة تحتمل ذلك، ما يؤدي إلى جنوح الأعمال الدرامية نحو التطويل، وإغنائها بقصص جانبيّة قد تكون أحياناً مجرّد حشو لا ينتمي إلى صلب القصّة.
تلجأ المنصّات العالميّة إلى سياسة الكاستنغ، بأنّ تخضع النجوم المرشّحين للأدوار لاختبار أمام الكاميرا، وهو اختبار لا يميّز بين نجم كبير وآخر مبتدىء، ما يضمن أداء كل ممثل لدور يناسبه.
تعتمد المسلسلات العربية سياسة تفصيل الدّور على قياس النجم. المبتدئون هم فقط من يجرون اختباراً، أمام النجوم الكبار، فيتمّ اختيارهم من قبل شركات الإنتاج، ثم يفصّل الدّور على قياسهم.
تعتمد المنصّات العالميّة على ورشات الكتّاب، إذ يشارك في عمل من ست حلقات ورشة كتّاب، يشرف عليهم كاتب محترف، وتنتهي كتابة الحلقات قبل التصوير.
تعتمد الشركات العربيّة على أسماء محدّدة، بحيث يقوم كاتب بكتابة سيناريو مسلسل، بعد أن تكون الشركة قد اختارت الأبطال، واختارت موضوع العمل، وفرضته على الكاتب. واللافت أنّ معظم النجوم يتدخّلون في عمل الكاتب، الذي يصبح مجرّد منفّذ لرؤية المنتج وبطل العمل.
تعتمد المنصّات العالميّة على التحديث في القصص، بحيت أنّ المشاهد لا يدرك سلفاً ما ينتظره، وليس ثمّة خطاً درامياً تسير عليه القصص وفق توجّه عام، إلا أنّ التراند العالمي يتّجه أكثر نحو قصص الجرائم والغموض.
تعتمد الشركات العربية على قصص تدور حول حلقة مفرغة، حب وخيانة ومشاكل عائلية. لا توجد مواضيع دسمة، وتغيب منذ مدّة طويلة الدراما التاريخيّة وإن وجدت فتعالج بطريقة إما توثيقيّة مملة، وإما دراميّة متّهمة بتشويه التاريخ، حيث لا سرد سلس دون تشويه الحقائق.
وتغيب الأعمال ذات الرسائل السياسيّة، بينما توجّه معظم الأعمال العالمية رسائل سياسيّة مبطّنة تمرّر وآخرها “بودي غارد” و”تشرنوبيل” و”spy”، وفق أجاندات محدّدة.
معظم الأعمال العربية منذ انتهاء موجة “رأفت الهجان” غابت عنها الطروحات السياسية والوطنية، لصالح مواضيع وقضايا سطحية.
تعتمد مسلسلات المنصات العالمية على جاذبية القصة والإخراج، بينما تعتمد المسلسلات العربية على أسماء نجوم يعتبرون رافعة للأعمال التي يشاركون بها.
تبتعد المسلسلات العربية عن الواقع، والمشاهد الغربي في حال قرّر مشاهدة مسلسلاتنا عبر المنصات العالمية، لن يخرج بأي صورة عن الواقع العربي، فمعظم الأعمال تشبه ما يريد صنّاعها من الناحية التسويقية، وإن ابتعدت عن الواقع.
اليوم، بدأت شركات الإنتاج اتجاهاً جديداً نحو المنصات العالمية، لتتوجّه إلى جمهور غير محكوم بعامل الجغرافيا أو اللغة، أمامها تحديات، قد تنجح فيها وقد لا تفعل، إنما يبقى المؤكّد أن لا شيء سيخرج الدراما العربية من سباتها، إلا سباقاً بين من سبقوها أشواطاً ضمن استراتيجيّة جديدة تراعي متطلّبات البث الرقمي.