الانحراف في تطبيق قانون الجرائم الالكترونية .. على سبيل كيفية تطبيقه في دول العالم ولماذا وجد

69

كتب د. ماجد الخواجا

منذ مطلع الألفية الثالثة ومع الإنتشار الهائل لنظم المعلومات وسهولة الوصول إلى مصادرها، ظهرت ما تدعى بالجريمة الالكترونية المشابهة للجريمة الجنائية الواقعية لكنها تمارس في العالم الافتراضي.

تداعت الدول لحماية بياناتها وأسرارها وما يتعلق بخصوصيتها، فكان أن اتجهت إلى إصدار التشريعات القانونية لمجابهة تلك الحرب الإلكترونية خاصة بعد أن استغلت الجهات الإرهابية المنظومات الالكترونية في عملياتها وفي نشر غاياتها وفي بث الرعب الافتراضي وفي تجنيد أعضاء ضمن تنظيماتها، إضافة إلى بروز جرائم متنوعة ومتدرجة الخطورة ما بين الإبتزاز الجنسي أو المالي وسرقة الحسابات المصرفية والتحويلات البنكية، وصولا إلى الإتجار الالكتروني بالبشر. مع رواج التجارة الالكترونية المحرمة ومنها تجارة الجنس والسلاح والمخدرات وغيرها.

لو طالعنا الغايات التي وضع لأجلها قوانين الحد من الجرائم الالكترونية سنكتشف مفارقة فجة وواضحة بين حيثيات القانون في الدول العربية عموما وخاصة مصر والأردن، والدول الأخرى التي أقرت مثل هذا القانون.

مفهوم الجرائم الإلكترونية: تُعرّف الجرائم الإلكترونية بالإنجليزية  Electronic crimeبأنّها المُمارسات التي تُوقَع ضدّ فرد أو مجموعةٍ مع توفِّر باعثٍ إجراميّ بهدفِ التَّسبُّبِ بالأذى لسمعة الضحيّة عمداً، أو إلحاق الضَّرر النفسيّ والبدنيّ به سواءً أكان ذلك بأسلوبٍ مباشر أو غير مباشر بالاستعانة بشبكات الاتّصال الحديثة كالإنترنت وما تتبعها من أدوات كالبريد الإلكتروني وغرف المُحادثة، والهواتف المحمولة وما تتبعها من أدوات كرسائل الوسائط المُتعدّدة.

تحملُ الجرائم الإلكترونيّة مُسمّياتٍ عدّة، منها: جرائم الكمبيوتر والإنترنت- جرائم أصحاب الياقات البيضاء white collar crime– الجرائم السيبرانية  Cyber crime – جرائم التقنية العالية High Tech Crime

أنواع الجرائم الإلكترونية:

جرائمٌ إلكترونية ضدّ الأفراد: هي الجَرائم التي يتمّ الوصول فيها إلى الهويّة الإلكترونية للأفراد بطرقٍ غير مشروعة؛ كحسابات البريد الإلكتروني وكلمات السِّر التي تخصُّهم، وقد تصل إلى انتحالِ شخصيّاتهم وأخذ الملفّات والصّور المُهمّة من أجهزتهم، بهدفِ تهديدهم بها ليمتَثلوا لأوامرهم، وتُسمّى أيضاً بجرائم الإنترنت الشّخصية

جرائم إلكترونية ضدّ الحكومات: هي جرائمٌ تُهاجم المواقع الرّسمية للحكومات وأنظمة شبكاتها وتُركّز على تدمير البنى التحتيّة لهذه المواقع أو الأنظمة الشّبكية بشكلٍ كاملٍ، ويُسمّى الأشخاص المرتكبون لهذه الجريمة بالقراصنة، وغالباً ما تكون أهدافُهم سياسيّة.

وجرائم إلكترونية ضدّ الملكية-  الجرائم السّياسية الإلكترونية – الإرهاب الإلكتروني  Cyber terrorism – جرائم الاحتيال والاعتداء على الأموال  – الجرائم الإلكترونية المُتعلّقة بالجنس – جرائم الابتزاز الإلكتروني Cyber extortion crime)) – المطاردة الالكترونية – جرائم التشهير والتنمر الالكتروني.

يتبين من تعريف وانواع الجرائم الالكترونية أنها لم تتضمن ما يتعلق بحرية الرأي ونقد الشخصيات العامة وتناولها في المساءلة، لكن في الأردن تم اختزال القانون بشكل كبير ليصبح سيفا مسلطا على رقاب أصحاب الرأي ، لقد وضعت تعابير غامضة ومبهمة وفضفاضة تتسع لكافة الإحتمالات الجنائية، وتشهد أرقام وأعداد المحولين إلى الإدعاء العام عبر ادارة البحث الجنائي على درجة التقييد للكلمة والرأي، فلم يعد بإمكان الصحفي تناول أية شخصية عامة واتهامها بالفساد حتى وإن امتلك ما يثبت ذلك، لأن المادة 11 من القانون جاهزة لإصدار الإدانة بالحق العام والشخصي، والكارثة الكبرى في الحق الشخصي الذي يصل أحيانا لأرقام فلكية لا يستطيع الكاتب أو صاحب الرأي تحملها وسدادها، فيصبح بين حالتين كلاهما أسوأ من الأخرى.

إن تعابير من مثل اغتيال الشخصية ، نشر الكراهية، التشهير، فلم يعهد في تاريخ الحكومات أن قام رئيس الوزراء برفع قضايا على صاحب رأي إلا في عهد حكومة الدكتور الرزاز وعدد من وزرائه.

لقد عدلت الحكومة قانون المطبوعات عام 2012 فأغلقت 291 موقعا إلكترونيا واشترطت الترخيص لـ”تأديبها” وجلبها لـ”بيت الطاعة.

إن أكبر دليل وحجة دامغة على استخدام القانون كأداة للتقييد أن الحكومات الأردنية المتعاقبة عدلت قانون المطبوعات والنشر منذ عام 1993 أكثر من عشر مرات، وفي كل مرة كانت تريد محاصرة وسائل الإعلام، وإن تذرعت بالتنظيم وحماية المجتمع من التجاوزات والإساءات.

انتقاد الشخصية العامة: يتباكى العديد من السياسيين والشخصيات العامة في الأردن على الإهانات والاتهامات التي توجه إليهم عبر السوشال ميديا أو المواقع الإعلامية في الأردن لتبرير العقوبات المغلظة على تُهم القدح والذم والتحقير، أسوة بدول أخرى بحسبهم. لكن هذه السردية تغفل تعامل القوانين والقضاء في هذه الدول مع دعاوى الذم التي يرفعها سياسيون على منتقديهم. فمثلًا، تسعى «الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان» للموازنة بين حرية التعبير من جهة والحق في السمعة والخصوصية من جهة أخرى. إلا أن العديد من القضايا التي رفعها سياسيون ضد مواطنين أو صحفيين في الدول الـ48 الموقعة على الاتفاقية ردت لأن الاتهامات التي وجهت إليهم إما كانت في خدمة «المصلحة العامة» أو لأن المحكمة أقرت بأن مساحة السمعة التي يستطيع السياسي حمايتها هي أقل بكثير من تلك المتاحة للمواطن العادي. ” منقول”

لقد جرّمت حكومة الرزاز الأخبار الكاذبة والشائعات في التعديلات المقترحة على قانون الجرائم الإلكترونية دون أي حوار وطني حول تعريف الشائعة أو الخبر الكاذب، خاصة مع التباس تعريف الشائعة حتى في منصة «حقك تعرف» المخصصة للرد عليها. فتخلط المنصة بين الشائعات وانطباعات الرأي العام أو الأخبار غير الدقيقة،  أما «الأخبار الكاذبة» فقد باتت من أكثر المصطلحات مطاطية، في كل العالم لا في الأردن فحسب.

من المعيب حقا استخدام تهمة التشهير كأدة سياسية لتكميم الأفواه وخنق حرية التعبير والحق في مساءلة الشخصيات العامة.

لقد حلّت قوانين الجرائم الإلكترونية محل قوانين مماثلة أقدم كانت تنظم الممارسات والمعاملات بعيداً عن الإنترنت. هذه الطفرة الكبيرة تعني أن ممارسة الحقوق الأساسية من قبيل حرية التعبير في الصحافة المطبوعة والإذاعة أو حتى الاحتجاج في الشوارع، قد انتقلت إلى منصات إلكترونية، ومن ثم فإن التدابير القمعية التي استعانت بها الكثير من تلك الدول عليها بعيدًا عن الإنترنت، أصبحت نافذة الآن على الإنترنت.

الحديث يطول في أمر جلل واضح أنه قد تم حرفه عن الغايات الحقيقية لإقراره والمتمثلة بقبول المجتمع ككل بأن يتم إنفاذ القانون في جميع البنود الواردة أعلاه ضمن تحديد أنواع الجرائم الالكترونية، إلا تلك المتعلقة بحرية الرأي وانتقاد الشخصيات العامة وتغليظ العقوبات والجزاءات المالية بحيث أصبحت أروقة المحاكم مكتظة بقضايا ( التشهير) المرفوعة من قبل هذا الوزير وذاك المدير.

 

 

اترك رد