جميل جداً أن يتجرأ رئيس الحكومة الحالية باتخاذ قراراً يقضي بزيادة رواتب المدنيين والعسكريين العاملين والمتقاعدين بعد مُضي ما يقارب عشرة أعوام على آخر زيادة تلقاها الأردنييون على رواتبهم، وجميل أيضاً استجابة الحكومة لمطالب المعلمين في شهر تشرين أول الماضي بعد إضراب عام في المدارس استمر لمدة شهر _ حتى وإن كانت تلك الاستجابة متأخرة _، ولكن هل يا ترى هذا ما ينتظره الأردنييون من حكومة الدكتور عمر الرزاز؟ وهل تُعد تلك الزيادة على الرواتب إنصافاً لكافة الموظفين وتُسهم في تحقيق العدالة المنشودة بينهم؟
لو عُدنا للوراء قليلاً لتذكرنا أن سبب إضراب المعلمين كان بهدف منحهم علاوةً على رواتبهم تُسهم في تقليل الفجوة فيما بين رواتبهم ورواتب الآخرين من موظفي الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى ممن يتساوون معهم من حيث المؤهلات العلمية والخبرات العملية والمهام، لا بل مع من هم أقل منهم أيضاً؛ وذلك بهدف تحقيق الرضى الوظيفي لدى المعلمين من خلال تخفيف حالة الاحتقان لديهم الناجمة عما كانوا يعانونه من شعور بالغُبن وتجاهل وعدم تقدير لمكانتهم في المجتمع بالشكل الذي يستحقونه ويتناسب مع ما يقومون به من عمل نبيل وما يحملونه من رسالة سامية.
وبالرغم من الاستجابة لمطالب المعلمين ومنحهم علاوة مرضية إلى حدٍ ما فقد كان الأولى أنذاك هو تحقيق العدالة بين كافة موظفي الدولة من خلال إعادة هيكلة سلم الرواتب وإعادة النظر في كافة الامتيازات والمنح المقدمة للجميع؛ لإعادة النظر في توزيعها على مستحقيها بالتساوي وبما يضمن تحقيق العدالة المجتمعية، خصوصاً مع مطالب العديد من النقابات المهنية الأخرى وقتها بتحسين مستوى معيشة منتسبيها، ومع ذلك فقد كانت الزيادة الممنوحة للمعلمين وقتها مُرضية نسبياً وأنهت أطول إضراب شهدته المملكة في تاريخها.
أما قرار الحكومة زيادة كافة موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين والذي فُهم على أنه أسوةً بزيادة رواتب المعلمين فسيُعيدُنا إلى المربع الأول المتمثل في وجود فجوة ما بين رواتب المعلمين وبعض العاملين في الوزارات الأخرى أيضاً ورواتب من سواهم ممن هم متساوون معهم _ أو أقل منهم _ من حيث المؤهلات العلمية والخبرات العملية والمهام.
إن ما يحتاجه المواطن الأردني باختصار هو الشعور بالعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع موظفي الدولة، وعدم التعامل معهم على أساس “أولاد البطة البيضاء وأولاد البطة السوداء”، فالجميع يعلم جيداً بأن الأردني يستطيع التكيف مع أصعب الظروف الاقتصادية وأن يكتفي بالخبز والبصل غذاءً له مادامت كرامته مصونة وما دام يشعر بالعدالة والمساواة والتقدير والاحترام بعيداً عن التمييز والانتقائية في توزيع خيرات الوطن.
لذا؛ فما ينتظره الأردنيون هو بالتأكيد ليس زيادة على رواتيهم بقدر حاجتهم إلى إعادة النظر في سلم الرواتب والامتيازات الممنوحة للموظفين وإعادة توزيعها على كافة موظفي الدولة والمتقاعدين بعدالة وإنصاف وبما يضمن للجميع حياة كريمة وعادلة. وأكاد أجزم أن إعادة هيكلة الرواتب هي أكثر نفعاً لجميع المواطنين وأكثر جدوى من الناحية الاقتصادية للدولة ولن تزيد من الأعباء المالية على خزينة الدولة كما لن تزيد من الدين العام، وستلقى ترحيباً من قبل الجميع. فضلاً عن أن إلغاء الهيئات المستقلة ودمج بعض المؤسسات التي تتداخل في مهامها وواجباتها سيوفر الكثير من النفقات الزائدة عن الحاجة والتي لو وزعت على الجميع لحققت رضى وظيفي لم يشهده الوطن من قبل؛ الأمر الذي سيزيد من الإنتاجية وسيعزز المواطنة والإنتماء لثرى الأردن الطهور لدى جميع أبنائه الذين أثبتوا في كل المحافل وعلى مدار تاريخ المملكة انتمائهم للوطن وولائهم للقيادة الهاشمية. فهل يفعلها الرزاز؟
افعلها يا دولة الرئيس ولك الأجر والثواب ولإسمك الخلود في ذاكرة الأردنيين.