جدل واسع حول مسلسل “أم الكروم” التلفزيوني الأردني

117

الأردن اليوم _ د. حسين البناء

لم يُؤخَذ المشاهد الأردني بعملٍ درامي توثيقي كما في مسلسل (أم الكروم) لكاتبه الأردني (د. مخلد الزيودي) وهو العمل الوحيد الذي شاهَدَته شريحة واسعة من الجمهور في كل مرةٍ عُرِض بها، ففي عرضه الأول على شاشة التلفزيون الأردني عام 1999 استوقفنا جميعًا حجم الفَقد الذي أصاب أبطال القصة عندما اكتشفوا متأخرًا بأنهم (وبطبيعة الحال هم تجسيدٌ للأردنيين كلهم) قد فقدوا عنصر القوة والتمكين الأول للمواطن والهوية، أي الأرض، والأكثر وجعًا أنه وفي غفلة من (الوعي الجمعي والزمن) قد تم تجريدهم من أرضهم في مقابل تسيير متطلبات حياتهم اليومية، كالزواج والسكن والتعليم والسيارات والترفيه أحيانًا، وربما في سياق ذلك يأتي انسحاب الدولة من الخدمات العامة وتردي مستوی الخدمات.

أحداث المسلسل ليست مُجرد عرضٍ تأريخي لفترة من حياة الأردن في ثمانينات القرن الفائت على إثر الطفرة النفطية في الخليج؛ بل هي تشخيصٌ دقيق واستشراف عميقٌ لحالة استلاب بشع لشعب من أرضه، في تمهيد لضياع الهوية والانتماء للأرض، وربما لإحلال وإزاحات ديموغرافية لاحقة، في صورة تتقاطع مع ما حل بأهلنا المرابطين في فلسطين مع بدايات الهجرات الصهيونية والتمكين الاستعماري عن طريق تملك الأرض بأدوات شتى.

سمسار الأراضي (صبري/ إبراهيم أبو الخير) في بدلة (السفاري) كان قد أجاد لعب دور الوسيط – الذي بحكم فهلوته وارتباطه برأس المال – استطاع أن يُجِسّد أسوأ أنواع البشر، وخاصةً عندما أغوى (الشيوخ) بقضاء لياليهم في الملاهي كطريقٍ مُختَصر للإفقار وهدر الموارد بدل استثمارها! في المقابل، فإن (عواد وعقلة و جبر) قد جسّدوا (الإنسان الفلاح) البسيط والطيّب، الذي تم تجريده من كل شيء في سنوات قليلة، دون أدنى إدراك لحجم الاستلاب الذي وقع عليه.

قبل عام 1990 المشؤوم والذي شهد الانهيار الاقتصادي الأكبر، وعندما كان سكان القرى والأرياف والمدن الصغيرة يَشدّون الرحال للعاصمة عمّان لقضاء حوائجهم الحياتية وطلبا للوظائف ولمراجعة الدوائر الرسمية المركزية، كان مألوفًا تداول أسماء العشائر التي تقطن مناطق عمّان المختلفة، وحسب التسمية المحلية الشائعة باسم (مضارب، مَطقّات، مراعي)، نذكر منها مثلًا لا حصرًا هذه التقسيمات التقليدية لأحياء العاصمة قبل اشتباكاتها الحضرية التي نعيشها اليوم والتي اتسعت فيها الرقعة المسكونة بشكلٍ هستيري وغير منظم: طبربور/ الدعجة، الصويفية/ العليمات، والرابية/ الدباس، خلدا/ السكر والعساف وهديب، صويلح/ الشيشان، وادي السير/ الشركس، الجبيهة/ اللوزي، وسحاب/ أبوزيد … وهكذا.

تأكيدًا على ماسبق، وتمثيلًا لحجم الاستلاب الذي وقع علينا نحن الأردنيين، وفي العشرين عامًا الماضية، فإن مجرد قراءة أسماء يافطات البنايات والمحلات التجارية يجعل من الملحوظ غياب أسماء وإحلال أسماء أخرى مكانها؛ فالقصة كلها قضية استلاب بغية إحلال.

بكلمةٍ أخرى، لقد وقع علينا نحن الأردنيين والفلسطينيين ما حدث لأهل قرية أم الكروم تمامًا.

لم يَشعر الأردني بخطرٍ على وجوده وهويته كما يشعر الآن، وهو ذات الشعور لأهلنا في فلسطين، أمام مشاريع التسوية النهائية لقضية السلام. إنه خطر داهم سيُعرّضنا جميعًا للضياع، وليس من مخرج سوى رص الصف أمام الاندفاع الغربي المتصهين عبر آلية توجيه البوصلة، التي تضع الكيان الصهيوني في بؤرة الهدف، وليس أي طرفٍ آخر.

مؤخرا، قام كاتب المسلسل (د. مخلد الزيودي) بعرض جملة حقائق وتساؤلات حول مناسبة إعادة عرض المسلسل حاليًا، وعقبات استكمال تمثيل وإنتاج حلقاته من الجزء الثاني، وتناول بعض الحساسيات التي يثيرها محور المسلسل شعبيًا في ظل التطورات الأخيرة كصفقة القرن وغيرها من طروحات.

هنالك نية حاليا لتقديم مشروع قانون علی أمل تنشيط الاستثمار السياحي في منطقة البتراء بما يسمح بتمكين الأجانب من التملك فيها كمجال استثماري جاذب، المخاوف الشعبية تتصاعد حول عواقب وتخوفات من تمكين الشركات العالمية العملاقة ورجال الأعمال الإسرائيليين من امتلاك الأرض في مدينة أثرية تشهد على حضارة مملكة نبطية عربية عظيمة، يعتبرها اليهود المهرب الوحيد من الهلاك في آخر الزمان.عمون

اترك رد