إشاعة بيع البترا.. سوء تدبير

90

الأردن اليوم _ فهد الخيطان
نظر الكثيرون منا إلى المنشورات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن نية الحكومة بيع البترا ومواقع تاريخية وأثرية أخرى على أنها مجرد نكتة سخيفة لا تستحق التعليق أو الرد، لكن مع مرور الأيام تحولت إلى إشاعة، وكما هي العادة تغدو الإشاعة حقيقة لدى قطاع واسع من الناس لا يكترث أبدا باختبار المصداقية، أو التحقق من المعلومة ومصادرها.
عند هذا الحد اضطرت الحكومة للتدخل ونفي الإشاعة والتلويح بمعاقبة مروجيها.
إذا شئنا البحث عن تفسير سهل ومريح لانتشار إشاعة لا يمكن لعاقل تصديقها، سنجد ضالتنا في الدارج من الكلام عن فقدان الثقة الشعبية بالحكومات والمؤسسات، وغياب المعلومات المؤكدة من مصادرها.
لكننا بهذا التفسير نعفي أنفسنا كمواطنين ومهتمين من المسؤولية عن ترويج إشاعات لا يمكن تصديقها حتى في ظل انعدام الثقة.
هنا أجد نفسي أكثر ميلا لرد الإشاعة وانتشارها إلى سوء تدبير وإدارة رافق المناقشات لتعديلات قانون إقليم البترا تحت قبة البرلمان. وهي المناقشات التي أسست لتلك الإشاعات وحقنتها بمعلومات مفبركة وكاذبة.
ليس في تعديلات قانون البترا فحسب، بل في كل التشريعات المطروحة تحت قبة البرلمان، عادة ما تظهر الحكومة مكسورة الجناح وقليلة الحيلة في مواجهة أصوات نيابية عالية. ونادرا ما نسمع الوزير المختص أو سواه من وزراء الحكومة يرد بالقوة والشجاعة المطلوبة على بعض المداخلات الجريئة والشعبوية في البرلمان.
لم تقدر الحكومة حساسية القانون المطروح للنقاش تحت القبة ولم تتحسب لمداخلات تسيطر في العادة على أجواء البرلمان ووسائل الإعلام، ولا تقدر التداعيات المحتملة لها.
في قانون البترا كان ينبغي على الحكومة أن تحضر درسها بشكل جيد، وتفتح النقاش بمداخلة واضحة وقوية تحدد بشكل دقيق الهدف من التعديلات، وتشرح للنواب وللرأي العام ما الذي تعنيه مصطلحات مثل المحمية غير القابلة للبيع أو التأجير والفرق بينها وبين ما تبقى من أراض في المنطقة المحيطة، وترفق مع هذا الشرح خرائط مفصلة للمنطقة والمساحات التي يدور الحديث بشأنها.
الحكومة حضرت ذلك اليوم بربع طاقمها، ولم تفق من صمتها إلا وكان النواب قد أجهزوا على التعديلات، حتى أن أحدا لم يكترث لمداخلة وزيرة السياحة المتأخرة التي بدا من صوتها المتحشرج أنها تعاني من نزلة برد.
بعد جلسة النواب تلك، انتشر هاشتاج”البترا مش للبيع” وفي غضون ساعات تصدر مواقع التواصل الاجتماعي، وقابلته الجهات المسؤولة بتوضيحات وردود خجولة. وعلى الفور أمسك المتصيدون باللحظة وفبركوا إشاعة بيع البترا، وتوالت بعدها الإشاعات المغرضة عن نية الدولة بيع وتأجير مواقع أثرية وسيادية ومساحات واسعة من الأراضي في عديد المحافظات.
لا تسطيع دولة في عالمنا اليوم أن تنتصر على الإشاعات أو تحبطها، ولم تسجل بعد تجربة ناجحة لحكومة حول العالم نالت ثقة الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن ثمة تجارب كثيرة لحكومات نجحت في إدارة ملفاتها بطريقة حكيمة تجنبت معها الوقوع في شرك الإشاعات. هذا بالتحديد ما نفتقده في تجربتنا، الادارة الذكية والاستباقية.(الغد)

اترك رد