بين التربية والبلطجة
الأردن اليوم _ابراهيم عبدالمجيد القيسي
كنت مشاكسا جدا في الحياة المدرسية (نقل تأديبي 3 مرات)؛ ولم ينقذني دوما من مشاكساتي سوى بعض القيم والمبادىء والقناعات التي استقرت في كياني بسبب حياتنا القاسية، فالعلم هو من أولى أولوياتنا، وعلى الرغم من أن الأرض أحيانا تتضجر مني، إلا إنني لم أكن متهاونا في العلم، والالتزام الأكاديمي، فكان حلمي كحلم والدي رحمه الله، وحلم كل أشقائي وشقيقاتي وهو أن نتعلم ونحصل على الشهادة الجامعية، التي كانت كل الظروف»منطقيا» تحول بيننا وبينها..لكننا جميعنا تعلمنا بحمد الله رغم كل المعيقات، وتجاوزناها بمزيد من كدّ وتضحيات.
للأمانة؛ لم تؤثر مشاكستي على تحصيلي الأكاديمي، وكنت أقع أحيانا بمشاكل مع المعلمين أنفسهم الذين يقومون بتعليمي، إما من خلال أبنائهم أو من خلال أقاربهم، ولم يكن من بينهم من ظلمني في علاماتي وتحصيلي الأكاديمي، وكلنا متفقون بأنني «مشكلجي» لكنني ملتزم أكاديميا و «شاطر»، إلا أستاذ التربية الإسلامية الله يذكره بالخير في أحد الصفوف، ظلمني بعلامة ظلما ربما استحقه عن جدارة، حيث ضبطني قبل الامتحان النهائي بيوم واحد وأنا «أشرب ميرندا» في دكانة أبو جبرين، فامتعض من رؤيتي «مفطرا في شهر رمضان»، علما أنها كانت أيام «حصاد العدس»، وحتى أبي رحمه الله كان لا يعلم بأنني أفطرت ذلك اليوم التموزي الذي داهمنا في بداية حزيران، وفي اليوم التالي وجدت سؤالا في الامتحان النهائي للتربية الاسلامية «أكتب رأيك في شاب مسلم يجاهر بإفطاره في شهر رمضان»، فكتبت إجابة شرعية «لا يمكنني الافتاء في الدين ما ليس لي به علم».. ولو ناقشني المعلم المحترم بإجابتي لقلت له كيف يستقيم الحصاد والدراسة مع صيام يقع على شاب بعمر الخامسة عشر، لكنه حطلي 45 من 100 في علامة التربية الاسلامية وهي تحصيلي الطبيعي قبل أن أدخل الامتحان النهائي، يعني جبت في الامتحان النهائي صفر، فهل كان يحق للمعلم أن يفعل هذا؟
اليوم؛ تجد من يقف في وجه وطريق طفل، أعني معلما يتخذ موقفا مناكفا من أحد طلابه، رغم أنه طالب تشهد له سيرته الأكاديمية والأخلاقية بالتميز منذ عامه الدراسي الأول، وفي أكثر من مدرسة التحق بها، ويزيدك الأمر حيرة في المستوى الذي وصل إليه بعضنا، حين يغبنه في علاماته ويسعى حرفيا لتشويهه وقتل روحه المثابرة في التعلم والتقدم!!.
لا أطعن أبدا في أخلاقيات المعلم الأردني، ولا في أمانته أو التزامه بمسؤولياته تجاه أطفالنا، وما زال شمعة تتوقد وتحترق لتنير عقولهم وطريقهم وطريق الأوطان، لكن حين نشهد أمرا خارجا عن المألوف فإننا نشير إليه، ولا يمكننا التغاضي عنه حتى وإن تعلق بأي طفل بريء واعد بالخير، فحقه بالتعليم والتربية حق مقدس، ولا يمكننا أن نبتزه ببخسه هذا الحق بل والتضييق عليه بمواقف متطرفة لا يجدر بأي شعب يحترم نفسه أن تجري مثلها في صروح التعليم الخاصة بهذا الشعب.
أؤكد أن مثل هذه القصة تجري في مدارس محترمة وذات تاريخ ناصع، ولا أريد أن أفصح بأسماء ولا بوقائع لأية جهة سوى المدرسة نفسها، ولست أعلم بالضبط ما هو موقف وزارة التربية ونقابة المعلمين من مثل هذه القصص المرفوضة، وليس مستغربا أن تحدث مشاجرات وتهجم على بعض المعلمين في المدارس، ما دام أصل الحكاية ينبع من قصص مشابهة، بل إن المستهجن أن يقوم الكبير بتصغير نفسه وتقزيمها والتحول من مهنة مقدسة بمبادىء لم يحملها قبله سوى الأنبياء، ويتحول الى مجرد شخص انفعالي لا يفرق بين التربية والبلطجة فيستقوي بمهنته على أطفال أبرياء هم مستقبل الوطن كله!.