الفيروس في معركة البقاء
الأردن اليوم _ سعاد فهد المعجل
هلع وخوف وفوضى في التسريبات الصحية الرسمية والإعلامية، وذلك منذ أن ضرب فيروس «كورونا» الصين مع نهاية شهر ديسمبر الماضي.. وتفاوتت ردود فعل العالم من احتياطات وإجراءات وقائية الى تكهنات حول الأسباب المحتملة وراء ظهور الفيروس، الى وصفات وأدوية وقائية تتسابق في عرضها منصات التواصل الاجتماعي، لكن الأكثر شيوعاً في تلك الردود كان في التوجس من احتمال أن يكون الفيروس قد جاء كاستخدام متعمّد للجراثيم والفيروسات فيما يعرف باسم الحرب الجرثومية أو السلاح البيولوجي، وهو بالمناسبة استخدام قديم لجأ إليه المحاربون القدماء، وذلك عن طريق تسميم مياه الشرب والنبيذ، كما سبق أن استخدمت بريطانيا وأميركا السلاح البيولوجي في حروبهما في جنوب شرقي آسيا، حيث لجأت الى تدمير المحاصيل والغابات التي كانت توفر مخبأ لفصائل المقاومة! وتأتي خطورة الحرب البيولوجية بسبب صعوبة تحديد جهة الهجوم.. وذلك بعكس الحروب التي تستخدم فيها أسلحة كيميائية.. لذلك غالبا ما تتبادل الدول الكبرى الاتهامات عند حدوث كارثة بيولوجية، ولا تزال هنالك اتهامات حول تسرّب فيروس الايدز مثلا من معامل أبحاث لتطوير أسلحة بيولوجية! كذلك كانت الحال مع «ايبولا» و«سارس». حرب الإنسان إذاً مع الفيروسات قديمة قدم التاريخ البشري.. وإن كانت الفيروسات تهاجم المخلوقات جميعها.. الإنسان والنبات والحيوان.. فإحدى النظريات حول انقراض الديناصورات تقول بتعرضه لفيروس أدى الى فنائه! وللفيروسات دور كبير في سقوط أمم وحضارات.. ويقال ان فيروس غرب النيل، الذي أودى بحياة الإسكندر المقدوني، قد أدى الى تراجع الامبراطورية اليونانية، التي كان بالإمكان أن تتوسع أكثر لولا فيروس غرب النيل. مشكلة الفيروسات أنها تهاجم الحمض النووي، وتحدث تحولات فيه، ثم تتخذ منه الحاضنة التي تتكاثر وتنتشر من خلاله، لذلك فهي تشكل مصدر خطر رئيسياً للبشر، لا يهدد الحياة فقط وإنما الموارد والمياه والزرع. الفيروس كائن متناهي الصغر.. فالفيروسات أصغر بكثير من البكتيريا، التي هي أصغر من الخلايا البشرية.. ومع ذلك فقد أثار هذا الكائن الصغير الهلع في البشر مؤخرا مع تفشي كورونا.. وتعطلت حركة الطيران والتجارة والمال.. وتأثر سعر النفط! الشيء الوحيد الذي لم يتأثر بفيروس كورونا هو الحروب.. فلا تزال آلة القتل في سوريا واليمن وليبيا والعراق نشطة.. كما لو كانت تنافس الفيروس في حصد الارواح البشرية. يرتبط انتشار الفيروسات بالسلوك البشري بشكل عام.. فمع زيادة الكثافة السكانية وسهولة التواصل والانتقال.. وتطوير أساليب الزراعة وأدواتها.. تضاعفت سرعة انتقال الفيروسات.. وبينما كانت تقضي على مجموعة بشرية واحدة.. أو قطيع حيوانات واحد.. أصبح التواصل البشري أداة الفيروس للانتقال الى جماعات أخرى.. وبيئة مختلفة. حتى الآن لا يعلم أحد مصدر «كورونا»، ولا الظروف التي حفزته.. ولم يحدد الطب بعد لقاحاً علاجياً أو وقائياً منه.. ويبقى كل ما يثار حول الأسباب والعلامات مجرد تكهنات.. لكن الحقيقة الوحيدة هنا أن حجم الكائن الحي لا يبدو مفصلياً ولا حاسماً في معركة البقاء!(القبس)