فيلسوف تسعيني فرنسي مؤيد لفلسطين: كورونا كشف قبح الرأسمالية والداروينية وعجز أوروبا

105

الأردن اليوم – أدى النظام العالمي الرأسمالي إلى للتقريب بين أنحاء العالم على المستويين التقني والاقتصادي، وهو ما خلق مفارقة كبيرة كشفتها جائحة كورونا، إذ إن هذا الترابط بين الشعوب والأمم لم يشجع على التفاهم بين البلدان، كما أن سهولة السفر والحركة حول العالم أسهمت في تفشي الجائحة.

وفي كتابه “إلى أين يسير العالم؟” اعتبر الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران أن التقدم لا يعني نفع الإنسانية، مدللا باستغلال الدول الكبرى للتقنية الحديثة لصالحها، وعدم قضاء الإنسان على الوحشية، وتنبأ في كتابه بأن تاريخ العالم لن يتوقف عن العنف والصدمات، معتبرا أننا لا نزال نعيش قيم العصر الحديدي.

وفي زمن جائحة كورونا، حاورت صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية الفيلسوف الفرنسي عبر تطبيق سكايب، من مقر سكنه في مدينة مونبلييه الفرنسية، حيث يقضي فترة الحجر الصحي مثل ملايين الأوروبيين، وقال في الحوار “أنا أبلغ من العمر 98 عاما، وأعرف جيدا أنني من شريحة الضحايا المفضلين لفيروس كورونا، ولكن على كل حال أفضل التفكير في الحياة وما يحدث في العالم حاليا.”

ويرى موران -الذي ترجمت كتبه للعربية- أن العولمة حولت العالم إلى سوق كبيرة، وذلك من خلال التكنولوجيا المتطورة التي قربت المسافات بين القارات، ولكن في الوقت نفسه فإن تجاوز عائق المسافات لم يؤد لإرساء الحوار بين الشعوب. وفي الواقع أدى هذا الوضع إلى تعزيز فكرة الانغلاق على الهوية، وصعود السياسات القومية الخطيرة، بحسب إفادة الفيلسوف الفرنسي في حواره مع الكاتب نوتشو أوريديني، أستاذ الفلسفة الإيطالي.

ويضيف موران “إن هذه السوق العالمية التي نعيش فيها لم تتمكن من خلق مشاعر الأخوة بين الشعوب، بل على العكس من ذلك خلق حالة من الخوف من المستقبل. واليوم جاء فيروس كورونا ليسلط الضوء على هذه المفارقة ويجعلها أكثر وضوحا للجميع، هذا الوضع يذكرني بالأزمة الاقتصادية في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما اتجهت دول أوروبية، وبشكل خاص ألمانيا، نحو القومية المتطرفة”.

ويعرف الفيلسوف الفرنسي -ذو الأصول اليهودية الإسبانية (السفرديم)- بمواقفه المؤيدة لحق الفلسطينيين في إقامة دولة خاصة بهم، وقد قاده مقال كتبه في صحيفة لوموند ندد فيه بالسياسة الإسرائيلية إلى المحاكم الفرنسية عام 2004.

ويعتقد موران أن تطورات الاقتصاد الرأسمالي هي التي خلقت المشاكل الكبرى التي يواجهها الكوكب الآن، مثل تدمير البيئة والأزمة العامة في الأنظمة الديمقراطية، وتزايد التفاوت الطبقي وغياب العدالة بين الناس، والتسابق نحو التسلح وصعود الأحزاب والشخصيات الاستبدادية والديماغوجية، مثلما يحدث في الولايات المتحدة والبرازيل.

ويقول موران “إن طفرة الاقتصاد والمال والبضائع كان يعتقد أنها وحدت العالم، ولكنها في الواقع خلقت فقط سوقا ضخمة، دون روح أو وعي أو معرفة. ونحن أصبحنا مجرد زبائن، ولسنا أفرادا في العائلة الإنسانية. والأمر لم يقتصر على ذلك، بل إن هذه الرأسمالية المتوحشة دمرت البيئة والديمقراطية والمساواة الاجتماعية. ويمكن ملاحظة هذه المفارقة على نطاق مصغر، وذلك عبر النظر في العلاقات الشخصية بين الناس، إذ إن تفشي الفيروس مثل تحديا للإيديولوجيا الكامنة التي سيطرت على الحملات الانتخابية في السنوات الأخيرة، عندما شهدنا تكرار شعارات أنانية من قبيل “أميركا أولا”، “فرنسا أولا”، “الإيطاليون أولا”، و”البرازيل قبل كل شيء”. وهي شعارات قدمت صورة مشوهة عن الإنسانية، وجعلت الأمر يبدو كما لو أن كل فرد يمثل جزيرة معزولة عن الآخرين”.

ويرى موران، في حواره مع الصحيفة الإيطالية، أنه بات من الضروري اليوم التشجيع على خلق نوع من الوعي المشترك بين سكان العالم، بناء على أسس إنسانية، وذلك من أجل تشجيع التعاون.

ويضيف “قد أظهر لنا هذا الوباء أن الإنسانية تمثل قارة موحدة وأن البشر مرتبطون ببعضهم بشكل عميق. إذ إننا في هذه اللحظات العصيبة من الوحدة والعزلة، بعيدا عن المشاعر والأصدقاء والمجتمع، أصبحنا أكثر وعيا بحاجتنا للآخر. وكثيرون رفعوا شعار أنا سأبقى في المنزل ليس فقط لحماية نفسي بل أيضا لحماية الآخرين الذين هم جزء من مجتمعي”.

ويقول موران إن الإجراءات والتدابير الاحترازية والصحية المفروضة لمجابهة انتشار الفيروس، أجبرت الناس على البقاء في المنزل وأيقظت فيهم مشاعر الأخوة. ففي فرنسا على سبيل المثال، كل مساء عند الساعة الثامنة يخرج الناس للنوافذ والشرفات للتصفيق وتقديم التحية للأطباء وأطقم المستشفيات الذين يعملون في الخط الأول في مجابهة المرض. وفي إيطاليا أيضا يخرج الناس للشرفات لأداء النشيد الوطني والرقص على أنغام الموسيقى الشعبية.

ولكن يحذر الفيلسوف الفرنسي من أن التجارب علمتنا أيضا أن الأزمات الخطيرة يمكن أن تؤدي لتفاقم ظواهر الانغلاق، باعتبار أن البعض يشرعون مباشرة في البحث عن كبش فداء يلقون عليه اللوم، وهو عادة ما يكون الأجنبي أو المهاجر. مثل هذه الأزمات يمكن أن تشجع على قبول المهاجرين، أو بالعكس تغلق الباب أمامهم.

اترك رد