تعطيل عجلة الإنتاج.. هل نهرب من الكورونا إلى جائحة اقتصادية؟
أكثر من شهر ونصف الشهر، مضت على الإجراءات المشددة، والتدابير الاحترازية، التي اتخذتها الحكومة لمنع تفشي وانتشار فيروس كورونا المستجد. طوال هذه المدة تعطلت أعمال الناس، وتوقفت القطاعات الإنتاجية تماما، وذلك لحماية الأمن الصحي، حيث أبدى المواطنون التزاما منقطع النظير، بكافة القرارات الحكومية، وأوامر الدفاع
اليوم، بات الوضع تحت السيطرة. بؤر الوباء تم حصرها ومحاصرتها، لم يعد هنالك أي مبرر للخوف والهلع، أو المبالغة بالمضي في ذات الإجراءات والتدابير. القرار المتعلق بتمديد العطلة لا يمكن تبريره إطلاقا، فالوضع الاقتصادي لغالبية الناس بات لا يحتمل
عجلة الإنتاج متوقفة تماما منذ فترة ليست بالوجيزة. أعداد هائلة من المواطنين أمضوا طيلة هذه الفترة بدخل يساوي الصفر، بسبب توقفهم التام عن العمل. عدد لا بأس به من المؤسسات الصغيرة، والشركات الناشئة باتت مهددة بالخروج التام من دائرة العمل، في حال استمر الحظر أكثر من ذلك
بصراحة، ملامح كارثة حقيقية قد بدأت تتشكل بالفعل. مدير صندوق المعونة الوطنية، عمر المشاقبة، قال في تصريح له إن 70 ألف أسرة تلقت المعونة. ولكن ماذا عن البقية؟ 400 ألف أسرة كانت قد تقدمت بطلبات الحصول على المعونة، في ظل الحظر المفروض على البلاد، ما يعني وفقا لتصريح المشاقبة، أن هنالك 330 ألف أسرة في مهب الحرمان!
ترى، من يغيث هذه الفئات، التي لم تعد تجد خبزها كفاف يومها! وما هو مبرر تأخر وصول المعونة للغالبية الساحقة من المتقدمين بطلبات الحصول عليها؟!
بعض الدول، كألمانيا والولايات المتحدة، قامت بدفع مبالغ مالية لكافة مواطنيها المسجلين في الضمان الاجتماعي، وعائلاتهم وأطفالهم، حتى يتمكنوا من تدبر أمورهم طيلة فترات الحظر التي قررتها، بل إنها قامت بدفع مبالغ مقطوعة للشركات، كل بحسب حجمها، حتى تتمكن من الاستمرار.. وهذا أقل ما ينبغي على أية دولة أن تفعله، في حال اختيار اللجوء إلى سيناريو الحظر طويل الأمد
من يريد خيار حظر التجول لفترات طويلة، عليه تأمين احتياجات الناس. المواطن لم يعد يحتمل، والوضع باختصار لا يطمئن على الإطلاق، ولا يوجد أي مبرر لاستمرار شلل الحياة الاقتصادية. الطبقة الوسطى بالكاد تتدبر أمرها في هذه الأيام العصيبة. المهندس، والمحامي، والصحفي، وغيرهم من العاملين في مختلف القطاعات باتوا يرزحون تحت وطأة ديونهم.. أما الطبقة الفقيرة فمازالت تنتظر المعونات التي لم تصل حتى الآن إلى الغالبية العظمى من الفئات المسحوقة، فهل نهرب من وباء الكورونا، إلى جائحة الفقر والفاقة؟!
لقد نجح الأردن بتخطي الأزمة بفعل التدابير السريعة التي تم اتخاذها، ولكن من المبالغة ما قتل، وآخر ما نحتاجه هو الانهيار الاقتصادي، لا سمح الله. الناس تعطلت أعمالهم تماما، وباتوا في مواجهة شبح الفاقة والحرمان، ولا بد من استدارة سريعة، تعيد الحياة إلى مسارها الطبيعي
كنا في مواجهة خطر وبائي، ونجحنا في السيطرة عليه، ولكننا الآن في مواجهة خطر اقتصادي- اجتماعي، لا يمكن تحمل نتائجه، أو تداركها، في حال الإصرار على تمديد العطلة لوقت أطول
صحيح أنه تم السماح لبعض القطاعات لاستئناف ممارسة عملها، ولكن في هذا مفارقة عجيبة: كيف يمكن لهذه القطاعات العمل في ظل حظر مفروض على الجميع؟ هل تتوقع الحكومة أن يستقبل “البنشرجي” مثلا زبونا يأتيه مشيا على الاقدام؟!
إتاحة العمل لعدد من القطاعات لا يعني شيء في ظل استمرار الحظر، وشل الحركة. وقرار تمديد العطلة قد يصيب الاقتصاد الوطني في مقتل، ولا بد من استئناف العمل والحياة الطبيعية، قبل بلوغ مرحلة حرجة، قد لا تجدي عندها أية استداره!