لنتحدث بصراحة.. ماذا تعلمنا من الأزمة؟

225

الأردن اليوم – بقلم: ماهر أبو طير

في ظلال وباء كورونا، دروس كثيرة، أبرزها النعم الصغيرة، التي لم نكن نراها يوميا، بل كان بعضنا يراها عادية، وأقل من عادية، وإذ بها مهمة جدا

من حرية الحركة وقيادة السيارة، والذهاب حيثما تريد، وهي حرية تبددت لأكثر من أربعين يوما، مرورا بزيارة الوالدين حين كان بعضنا لا يتذكرهما إلا مرة في الأسبوع، وربما يغيب بعضنا أكثر، وإذ بكل واحد فينا يجلس في بيته، ولا يستطيع الوصول إلى والديه أو أحدهما، وصولا إلى حق الإنسان في الحصول على سلعته بسعر عادي، وإذ بها ترتفع بطريقة جنونية، فوق تفاصيل حياتنا اليومية، من علبة السجائر التي اختفت ذات حين، إلى فنجان القهوة الذي كنت تشربه مع زميلك

حتى المساجد التي يهجرها أغلبنا، باتت الأغلبية تبكي على حالها، وكلما قال المؤذن صلوا في بيوتكم، يحل عليك الشعور بالندم، إذ أن أغلبنا لم يكن يصلي في المساجد، إلا يوم الجمعة، وعلى مدى أسابيع، مرورا بشهر رمضان الكريم، يتردد الأذان خمس مرات، وكل مرة يقول لنا المؤذن صلوا في بيوتكم، وبعضنا يتحسر ويقول لقد كنا نصلي في بيوتنا، ونهجر المساجد، أو لم نكن من المصلين أساسا

النعم الصغيرة، بنظر بعضنا، هي نعم كبيرة، من جانب آخر، وحين كنا نسمع التذمر في كل مكان من أزمات السير، ومستوى الرواتب، وقلة فرص العمل، وغير ذلك، ورغبة البعض بالهجرة، وشتم العالم العربي بمن فيه، تنقلب الصورة اليوم، فالحرية فوق كل اعتبار، والوقوف في أزمات السير، والرواتب القليلة، توقفت كليا في حالات كثيرة، ولعن العالم العربي على ألسنتنا، انخفض منسوبه، فحالات كورونا في المنطقة من أقل النسب العالمية، والدول التي كانت مستهدفة بالهجرة، باتت طاردة بسبب تفشي الوباء، والوضع الاقتصادي

ربما هو جحودنا بالنعم، وربما هو سوء تقدير، وربما هي تحذيرات من الله، حتى نعود عن كثير من الممارسات الخاطئة التي كنا نتورط فيها، أو حتى نتوقف عن حالة الشك والتذمر والاضطراب وعدم الرضا بالمقسوم، وربما الأزمة علاج روحي من أجل أن يعود التراحم بين الناس، في ظل أزمة طاحنة

حين تخرج خارج البيت مع السماح للسيارات بالحركة، تكتشف أن الناس عادت للتنفس، لكن الكل يتحدث تحت وطأة تأثيرات الوباء، وإذا كانت هناك حالات تراحم، إلا أن هناك حكايات يندى لها الجبين، فكل من خسر ماليا، بسبب جلوسه في البيت، يريد التعويض من جيوب الناس، والذي يدقق في أسعار الخدمات والسلع، يجد أن الكل يريد تعويض خسارته من جيب الآخر

الوجه الآخر لما بعد كورونا، لا يرتبط فقط بدروس الوباء والحجر داخل البيوت، إذ على الرغم من كون الأزمة تركت تأثيرا إيجابيا لدى كثيرين عبر مراجعة تصرفات كل واحد فينا، إلا أنه يقال صراحة إن التغيرات الاقتصادية المقبلة ستؤدي إلى بروز موجات من التغيرات السلبية، وكأننا لا نتعلم، وكما أشرت فالوضع الاقتصادي سيؤدي الى تداعيات كبيرة من بينها الغلاء، واستغلال كثيرين لكثيرين، وتزايد البطالة، والجريمة، وتفكك العائلات، وارتفاع نسبة الطلاق، هذا في الوقت الذي لا أنكر أن هناك أثرا إيجابيا، من حيث التماسك العائلي لدى كثيرين، بسبب الحاجة للحماية، واكتشاف آباء وأمهات لطبيعة أولادهم، وتغير أنماط العلاقات الزوجية إلى الأفضل، وغير ذلك من إيجابيات مفترضة، قد تكون نشأت في بعض البيوت وليس كلها، ولكل حالة تفصيلاتها وطبيعتها الخاصة بها

خلاصة الكلام أن أزمة كورونا، مجرد بروفة صغيرة، مجرد تجربة مبسطة، عن تجارب شعوب أخرى، عاشت تحت وطأة الفقر الشديد، أو الصراع على السلطة، او الاحتلالات، او الحروب الأهلية، أو انهيار الدول، ولنا أن نتأمل حال تلك الشعوب وكيف عانت بشكل مؤلم جدا، إذا كنا هنا في الأردن بحمد الله وفي دول عربية كثيرة، قد مررنا بظرف مخفف جدا مقارنة بغيرنا، بسبب كورونا، وعلينا أن نسأل أنفسنا السؤال الأهم، حول الاتجاه المقبل الذي يتوجب أن نتبناه اجتماعيا على مستوى الأفراد والعائلات، وعلى صعيد السياسات الرسمية، وفقا للدروس والعبر التي خرجنا بها جميعا، فلا يتعامى عن هذه الدروس إلا فاقدي البصر والبصيرة

اترك رد