خرجوا من الحظر مشهرين سيوفهم
الأردن اليوم- التحولات التي بدأت علنا لا يمكن إلا الوقوف عندها، وهي تحولات تؤشر على تغيرات، يرتبط بعضها بأخلاقيات الناس، وبعضها مفروض علينا
أغلب الذين خرجوا من الحظر وعادوا الى ممارسة أعمالهم في القطاع الخاص، قاموا برفع سعر خدماتهم، من عامل البناء الذي يريد رفع أجرته اليومية، بذريعة انه تعطل شهرين، مرورا بالكهربائي الذي يصلح سيارتك، وصولا الى بائع الخضار، وبينهما نماذج كثيرة، والكل يقول انه تضرر بسبب الحظر، وانه يريد تعويض خسارته وان هذا حق من حقوقه الطبيعية غير المستغربة، خصوصا، ان لا احد يساعدهم، لا في ايجار العقار، ولا في دفع الفواتير والتراخيص، فالالتزامات ثابتة
لا أحد ينكر ان هناك ضررا وقع على الكل، لكن ارتداد الضرر بهذه الطريقة، يعني ان الناس سوف يأكلون لحم بعضهم البعض، دون مانع قانوني، ودون وازع أخلاقي، والكل بدأ يلمس حالة الغلاء الجديدة، بسبب الظرف القائم، وبدلا من التراحم، او حتى بقاء أسعار السلع والخدمات كما هي، يتم رفعها، وهي موجة واضحة وليست بحاجة الى ادلة، فتتفكر كثيرا، في كل هذه الشعارات والألسن التي تنطق بالحكم والعبر الدينية، لكنها عند المال، تتحول الى شكل آخر تماما
هذا يحدث في الوقت الذي تعرض فيه أيضا مئات آلاف الموظفين في القطاع الخاص الى اضرار على صعيد رواتبهم، بسبب خصومات الرواتب، وأيضا موظفو القطاع العام الذين لحقهم تخفيض بنسب مختلفة، واذا كان الموظفون في القطاعين العام والخاص خسروا من دخولهم بسبب الظرف الحالي، بنسب مختلفة، ثم يأتيهم منتجو السلع، ومقدمو الخدمات، من الحلاق وصولا الى الميكانيكي، مرورا بمئات المهن، وكلهم يرفعون الأسعار، بذريعة تعويض الخسائر، فهذا يعني ان الموظفين، وغيرهم أيضا، سيواجهون ظرفا معقدا، بسبب خفض الدخول من جهة، والغلاء المستجد، واستغلال الناس لبعضهم البعض، فلا يمكن لحظتها ان نقول ان دخولهم تكفيهم، ولا ان نبرر الرد على خسائر الحظر، بغلاء مستجد
الجانب الثاني لموجة الغلاء، يرتبط بأسعار السلع المستوردة من الخارج، اذ إن كثرة من المحلات التجارية تبيع السلع بأغلى مما سبق، وحين تسألهم عن السبب يقولون ان رفع السعر كان من الموزع، الذي يتهم المستورد، والذي قد يقول لك ان أسعار السلع ذاتها قد ارتفعت من المصدر، من الغذاء، مرورا بالألبسة وصولا الى كل ما يتم استيراده، وسواء صح هذا الكلام، او لم يصح فهذا يؤدي الى النتيجة ذاتها، أي ان السلع تغيرت أسعارها، او في طريقها الى التغير قريبا
الذي يقرأ التقارير الدولية، عن مشاكل الزراعة والتصدير والاستيراد والصناعة في العالم، ومشاكل سلاسل التوريد، وتوقف اليد العاملة في دول كثيرة، واخذ الدول لقرارات عبر منع التصدير او خفض نسبته من اجل تعزيز الاحتياطات الداخلية لشعوبها، يدرك ان هناك موجة غلاء في أسعار كل شيء مستورد، على الرغم من ان الأصل حدوث موجة تصحيح في الأسعار، على أساس قلة الطلب، وقلة السيولة، وبالتالي تأثر العرض والطلب، وهذه معادلة بحاجة الى اختبار
في كل الأحوال، ما ينبغي قوله اليوم، اننا بدأنا نلمس موجة غلاء، إما بسبب اعتقاد كثيرين ان رفع سعر كل شيء، هو الحل لتعويض خسائر الشهرين، او بسبب الاستغلال والجشع، او بسبب ارتفاع أسعار السلع من المصدر، وهذا يعني مع الاقتطاعات التي حدثت على رواتب موظفي القطاع الخاص، والقطاع العام، مشكلة اكبر، تتعلق بتآكل دخولهم، وتراجعها، فوق الغلاء الذي سيجعل تأمين احتياجات أي بيت يتعرض الى مصاعب جمة، ولا احد يعرف اذا كانت هناك جهة واحدة قادرة على إزالة هذا الذعر، ووقف هذه الفوضى، لكن بالتأكيد، لن تتوقف هذه الظاهرة، إلا تحت وطأة قلة الطلب، وهذا امر ليس مضمونا تماما خصوصا في الأساسيات التي لا يمكن للبيوت ان تتخلى عنها، او تتركها تحت وطأة هذا الظرف؟
المؤلم حقا، ان الكل سيدفع الثمن، فالكهربائي الذي يصلح سيارتك بسعر اغلى اليوم، سيضطر هو شخصيا ان يتعامل مع عامل البناء لتصليح شيء في بيته، وسيخضع لذات القاعدة، أي الدفع اكثر، وهكذا نقف امام وضع جديد، بدخول اقل، فلا نسأل الله الا ان يلطف بالكل، وان تمر هذه الحالة على خير، وان يتذكر بعضنا ان رحمة غيره في ساعة العسرة، خير له بكثير مما يفعل الآن