هكذا تحركت «طواحين» النخب السياسية..
الأردن اليوم- فيما انشغل الناس بالعدوان « الكوروني « ثم بإزالة آثار العدوان على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، فان ثمة نقاشات ساخنة شهدتها صالونات السياسة تتعلق بتصفية حسابات « النازلة « وما بعدها، سواء من جهة الاعداد للهجوم على الحكومة واستعجال رحيلها، او من جهة الاستعداد لتقسيم « الورثة «، وتأمين المقاعد وحجزها لضمان الجلوس عليها في المرحلة القادمة
لا شك بأن نجاح الرئيس الرزاز حتى الآن في ادارة ملف « كورونا « أثار «غيرة « المنافسين السياسية، بعضهم لم يخف ذلك فأشهر انتقاداته للإجراءات الحكومية، وقدم ما يلزم من نصائح عاجلة لتصحيح المسار، وبعضهم اعتقد ان استحقاقات المرحلة القادمة تستدعي التحضير للدخول في مباراة التنافس، او ربما التسخين لها، فيما فضل آخرون فتح دفاتر الصراعات بين النخب السياسية للتذكير بأخطاء حصلت هنا، او انجازات تحققت ذات زمن، بقصد المفاضلة بين تاريخين يتصورون أنهم كانوا جزءا من احدهما، وان من حقهم ان يستردوا نصيبهم فيه
فيما مضى من عقود كانت الصراعات بين النخب السياسية مجرد مباريات « ودية «، يتناوب فيها الاطراف تقاذف الكرة في الملعب وسط تصفيق الجمهور الجالس على المدرجات، وهتافات المشجعين والمتحمسين للفوز. الان تحولت الى ما يشبه « حلبة « الملاكمة التي كان جيلنا يحرص على متابعتها في الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرف، حيث « العنف « والمكاسرة والضربات القاضية تبعث الحماس في المشاهدين، وسط احساس غريب بالفزع، او بعدم القدرة احيانا على تحمل الاستمرار في المتابعة
على ماذا يختلف هؤلاء، واين هي « الغنيمة « التي يشحذون سكاكينهم من اجلها..؟ يكفي ان ننعش ذاكرتنا قليلا لنتذكر جردة حسابات صادمة دفعنا ثمنها كأردنيين، وما نزال، ولنتذكر ايضا بأن البعض يفهم الوطنية في دائرة النفع الخاص فقط لا غير، وبأن كثيرين رسبوا في امتحان هذه الوطنية حين داهمتنا (كما هو الآن ) وتنكروا لأبسط قيم العطاء والتضحية والقيام بالواجب، لرد الدين الذي في أعناقهم للبلد، يكفي بأن نتذكر ان مدارسنا السياسية التي يتطارح على هوامشها هؤلاء لم يتخرج منها الا الذين سقطوا بالبرشوت على المواقع، والآخرين الذين القوا عيدان الكبريت في حقولنا فأحرقوها
نحن يا سادة- في أزمة لا يعلم الا الله كيف ستكون مآلاتها وارتداداتها، ومن الواجب الأخلاقي والوطني ان نتكاتف لمواجهتها، وان نخرج من صراعتنا الى حيث يجب ان نكون، مع الدولة ومع الناس. هذه الحكومة تجتهد وتحاول ان تصحح أخطاءها في هذه التجربة غير المسبوقة، فلماذا يتناوب البعض على وضع العصي في دواليبها، ولماذا يريدون ان يتطهروا من خطاياهم بالانتقاص من خطاياهم..؟
باختصار، الأردنيون خرجوا عن الطوق السياسي، وباتوا يعرفون « طوابق « النخب وخيباتها، ويقرأون بعيون «زرقاء اليمامة « صراعاتها وحساباتها، وبالتالي فان ما يهمهم هو حماية البلد، بعيدا عن المشغولين باقتسام الأدوار، او تقسيمها على أعضاء صالوناتهم، وبعيدا أيضا عن المناكفات التي لا تسمن ولا تغني من جوع