الدباس يكتب: القطاع العام وكورونا !
كتب : علي أحمد الدباس
من المتوقع ان يعود القطاع العام للعمل بعد عطلة العيد التي اتضح انها لن تكون اكثر من يوم الاثنين إذا صادف العيد يوم الأحد وهو يوم حظر شامل!
وقد نشرت الحكومة دليلا إرشاديا للعودة إلى العمل ونشرته على مواقعها الإلكترونية ؛ وبالاطلاع على هذا الدليل نجد انه دليل تقدمي جدا وعصري جدا ؛ يشجع على تغيير الصورة النمطية للقطاع الحكومي! طبعًا كل ذلك مرهون بالتطبيق الفعلي للدليل!
الحكومة كانت وأثناء تبريرها للإجراءات المتخذة في مجال الحجر الصحي العام تحذرنا من خطورة المرض؛ وحيث عاد العمل للقطاع الخاص بكثير من اللامبالاة في العديد من المنشآت فان على الحكومة تحد كبير جدا بجعل القطاع العام نموذجا للعمل في زمن الكورونا حتى لا يترك المجال لنسمع جملة ( إذا الحكومة ما طبقت؟ بدكوا احنا نطبق؟ ) !!
يتضمن الدليل شرحًا وافيًا للعودة التدريجية للعمل؛ واعجبني انه يكرس الحاجة للعمل عن بعد ويعترف بها…. لا بل يدعو الى دراسة الوظائف التي لا ينجح العمل فيها عن بعد بحيث تقوم الوزارات بإعداد خطط لتحويلها الى العمل عن بعد بعد تجاوز العوائق الاجرائية! كما تدعو الخطة الى تقنين استعمال المعاملات الورقية وزيادة الاتمتة في التعامل بين الأقسام …. والى إغلاق منتديات الدواوين التي كانت أساسًا للقطاع العام وتحويل المراجعين الى نظام المواعيد المسبقة قدر الإمكان!
على الحكومة ان تدرك ان نجاحها في تطبيق كل ذلك يمكن ان يكون من الفوائد في زمن الكورونا؛ أما فشلها في تطبيق ما ألزمته على نفسها فسينعكس على مدى الثقة في جدية الاجراءات كافة التي اتخذتها الحكومة على كل القطاعات في زمن الكورونا! وعلى الحكومة ايضا ان تعمل بحرص على مأسسة تعليمات – ولو مؤقتة – لتغطية الحالات الإستثنائية المعفية من الحضور للعمل حتى لو تطلب عملها ذلك ومنها المرأة الحامل والموظفين المصابين بأمراض مزمنة ومن يرعون كبار السن ومن خالط مصابين لكورونا ومن يرعى أطفاله في سن الحضانة في ظل إغلاق الحضانات!
قد يقول قائل ان ذلك ينجح في القطاع الحكومي لان له زيادة هائلة في أعداد الموظفين وان الحاجة الحقيقية لإنجاز الأعمال لا تتجاوز ٥٠٪ من العاملين ؛ وقد يكون هذا التساؤل موضع البحث حكوميا لدراسة اداء الدوائر خلال فترة العمل بتعليمات الكورونا وتعديل خطط الترشيق الحكومي بناء على ذلك…. وهنا دعوني أكون داعيا للتوازن بين ضرورات الدولة الرعوية وضرورات تطوير الخدمات …. إذا نجحت الحكومة بإدارة الأعمال بخمسين في المئة من الموظفين فلم لا تفكر جديًا بالاستمرار بالعمل بفريق رشيق ومنظومة إلكترونية مع بقائها تدفع الرواتب حتى للجالسين في بيوتهم ( حيث انها لا تستطيع تحمل العبئ السياسي والاجتماعي لإنهاء خدماتهم ) ؛ فهي بكلتا الحالتين ستدفع الرواتب مرغمة فلم لا تحسن من الخدمة بالترشيق العددي على الأقل؟ وهذه نقطة يجب ان نتعلمها جيدا في فترة الكورونا لنستفيد منها بعد ذلك!
ربما تكون هذه الفترة تمرينًا تعبويا حقيقيًا حول احتياجات القطاع العام ؛ فمثلاً قد يتضح ان احدى الدوائر يمكن إنجاز كافة الأعمال بها بثلاثين بالمئة من الموظفين فيما تتضح الحاجة لزيادة أعداد الموظفين في دوائر خدمية معينه …. عندها تصبح خطط اعادة الهيكلة في الحكومات اكثر قربا من الواقع ؛ ويمكن عندها اجراء دراسات اكتوارية لتوسع مؤقت في تطبيق التقاعد المبكر للتخلص الكريم من الحمولة الزائدة أينما وجدت؛ وهي فرصة ان تم تفعيلها يجب ان تُمنح ايضا لمؤسسات القطاع الخاص بعدالة!
والحكومة التي تدعو القطاع الخاص للعمل بكامل طاقته لكنها تصر ان تكون المواصلات العامة بنصف سعتها المقعدية وتصر ان نلتزم ببرنامج الزوجي والفردي ؛ هي كمن يقول صحيح لا تقسم ومقسوم لا توكل وكل حتى تشبع! القطاع الخاص لا يفهم الا لغة الأرقام والربح والخسارة ولا تقل عقليته البيروقراطية تعقيدًا عن عقلية القطاع العام من حيث الحضور والدوام وخلافه ؛ لا بل تتجاوز عقليته بذلك مراحل كثيرة قد تصل في بعض الأحيان الى عقلية السادة والعبيد…. لذلك على الحكومة التفكير في برنامج تحفيزي يعتمد لغة الأرقام لتشجيع تفعيل نظام العمل عن بعد في كثير من مؤسسات القطاع الخاص من خلال منح هذه المؤسسات حوافز حكومية تشجيعية لمساهمتها في تحقيق التباعد الاجتماعي في المنشآت والطرقات والمواصلات وخلافه!
عودة القطاع العام للعمل بعد العيد ؛ وعودة جميع النشاطات الاقتصادية للعمل هو اختبار لنا جميعا ؛ اختبار لمصداقية الحكومة في اجراءاتها ؛ اختبار للوعي – الذي لا اراهن عليه كثيرا – واختبار لقدرتنا على التمييز بين المهم والأهم ….. وهو بالتأكيد اختبار لترتيب الأولويات واختبار يساعد في الإجابة على سؤال كبير : هل تعلمنا شيئا فعلا في زمن الكورونا أم أضعنا الفرصة؟!