هل ابتلعت الحكومة أموال الضمان الاجتماعي

78

السبت- 16أيار- الأرن اليوم – من أين تصرف الحكومة الأردنية في هذه الأيام؟ سؤال أشغل الأردنيين ووسائل الاعلام المحلية بعد أنباء عن تناقص موجودات صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، ما زاد التكهنات بتغوّلٍ حكومي على موجودات المؤسسة وهو ملف يتدحرج منذ شهور طويلة، ويزداد اليوم القلق حياله بعد إصرار حكومة الدكتور عمر الرزاز على ربط كل الإجراءات المتعلقة بالأردنيين بتسجيلهم في المؤسسة ذاتها.

مديرة صندوق استثمار أموال الضمان خلود السقاف والتي كانت اول من صرح قبل نحو 5 أشهر (ديسمبر 2019) عن اقتراض الحكومة الأردنية لنحو 5.7 مليار دينار من الصندوق، أكدت لـ رأي اليوم أن الصندوق أقرض الحكومة مؤخرا فعلا ولكنه فعل ذلك متماشيا مع توزيعه الاستراتيجي المقرّ سلفا والذي لا يزيد عن سقف 60% من أموال الصندوق الاستثماري (نحو 6 مليارات دينار أردني)، مشددة على ان الحكومة ملتزمة بدفع قروضها السابقة وأنها لم تتأخر بذلك ما يجعل المؤسسة تربح من اقراض الحكومة ولا تخسر.

التصريح المذكور يحمل السقاف نفسها مسؤولية دقة كلامها، وهي مديرة بكل الأحوال يشهد لها كبار الاقتصاديين في البلاد بكونها قاتلت للحفاظ على استقلالية الصندوق سواء من تغول الحكومة او حتى من تحميله سندات فيها مخاطرة من تلك التي يصدرها البنك المركزي خلال العامين الأخيرين سواء بعملات اجنبية او قصيرة الأمد

بهذا المعنى، وان يظهر ان الحكومة التي يرأسها مدير اسبق لمؤسسة الضمان الاجتماعي سابقا (الدكتور الرزاز) بريئة من استغلال بنك أموال الأردنيين ، الا ان ذلك لا ينفي ان الدولة ستستفيد بالضرورة من زيادة اعداد المنتسبين الذين سيرفعون بكل الأحوال رأس مال الصندوق وبالتالي ستزيد احتمالية الاقتراض منه.

هنا آراء مصرفية ومالية تؤكد ان الحكومة اليوم تحيا مأزقا من النوع صعب التجاهل، اذ تبدو أموال الضمان احد حلول ضيقة، خصوصا والدين الداخلي للسلطة التنفيذية أكثر من 14 مليار دينار اردني يتحمل منها أيضا القطاع المصرفي بقية المبلغ (نحو 8 مليارات دينار أردني) أيضا.

رغم كل ما ورد، لا تزال الأصوات تتعالى لوقف الاقتراض من الصندوق المذكور حتى يتسنى للأردنيين الإحساس بأن الحكومة قادرة على السداد، خصوصا وان سندات الحكومة هي ذات فائدة عالية، ما يجعل السلطة التنفيذية في مأزق السداد لاحقا.

في السياق المذكور تساءل وزير الاستثمار الأسبق مهند شحادة وعلى هامش نقاش مع رأي اليوم عن السبب الذي يمنع الحكومة استبدال أصول مع الضمان لتحريك عجلة الاقتصاد، بحيث تطلب الحكومة من الضمان نقودا مقابل تنازل عن حصصها للضمان بشركات مثل: البوتاس، الفوسفات، المطار، السمرة للتوليد وغيرها، واستخدام المبلغ لإجراء إصلاحات وليس لدفع نفقات.

هنا اقتراحات شحادة طويلة بالنسبة لاعادة الهيكلة وخفض ضريبة المبيعات والدخل ودعم موظفي القطاع العام ببدء مشاريع خاصة لترشيق الجهاز الحكومي بأكبر قدر ممكن. هنا إجراءات تتوافق مع ما اقتراحه رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي والذي طالب بإصدار سندات مطروحة للعموم بدلا من الاقتراض من الضمان دوما.

في الحديث عن الحكومة والضمان، الدوامة كبيرة، فالحكومة هي الضامن لأموال الأردنيين في الضمان الاجتماعي، أي ان أي تعثر للصندوق المذكور تكفله الحكومة، ولكن ماذا لو كان تعثر الصندوق سببه تعثر الحكومة نفسها في سداد الصندوق، هنا سؤال يبدو معقدا ويفترض سيناريوهات سيئة وقد لا يريد احد طرحه، ولكنه بكل الأحوال يستحق التأمل خصوصا مع وصول الحكومة لسقف الاقتراض الأعلى من الصندوق.

هنا يصبح سؤال الـ 6 مليار، كيف ستتدبر حكومة الدكتور عمر الرزاز ازمتها؟ هذا سؤال يبدو صعبا ومعقّدا وليس له إجابة واحدة، حيث التدقيق في ما يقوم به فريق الرزاز لا يزال يوصل الأردنيين لذات الضيق الناجم عن الإجراءات داخل الصندوق، الامر الذي بات يحتاج اجتراح حقيقي لحلول غير تقليدية، خصوصا في مجالات حيوية وتنفق فيها الدولة الكثير من الأموال، وهنا الحديث عن قطاع الطاقة، الذي اكد الدكتور فراس بلاسمة احد اهم مستثمري القطاع لـ رأي اليوم انه يهدر مليارات الدنانير ولأسباب تتعلق بعقود ترفض الحكومة مراجعتها.

طبعا هذا تصريح لا يعود لبلاسمة وحده فالمطالبات كبيرة وكثيرة ومن سنوات بأن تعيد الحكومة النظر في عقودها بالسياق وبما يتجاوز فقط العقود الأخيرة سواء عقد استخراج الصخر الزيتي او حتى عقد الغاز الإسرائيلي، فهنا الحكومة قادرة وبهذا التوقيت تحديدا على إعادة النظر بعقود التوليد جميعا بالإضافة الى عقود التوزيع حيث يمكن ان يكون الأردن الدولة الوحيدة في العالم التي تلزم نفسها بعقود لقطاع الطاقة تساوي اكثر نحو ضعف استهلاكها وباسعار مرتفعة ولا تريد إعادة النظر بذلك.

إلى جانب قطاع الطاقة فالجهاز الحكومي فعلا بحاجة لجراحة كبيرة ورواتب المتقاعدين من المسؤولين الكبار أيضا يمكن إعادة النظر فيها خصوصا في وقت يمكن فيه للحكومة الأردنية ان تستغل المشهد وبصورة اكثر نجاعة، قد يختصرها حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم قبل أيام في تغريدة تحدث فيها عن ترشيق الجهاز الحكومي ودمج الهيئات وإجراءات تقشفية مذكرا ان ما بعد كورونا بالتأكيد لا يشبه ما قبلها.

هنا يبدو ان الأردن عليه وبصورة لا يمكن تجاهلها أن ينحو لمنحى مشابه، حيث جهاز حكومي متضخم جدا يزيد من أعباء الأردنيين وحكومة تغرق نفسها بالدنيا وتتصدر لإجراءات لا تبدو ذات أولوية، كتلك التي تصر عليها ضمن اجراء دمج الاعلام الرسمي بمدينة إعلامية جديدة.

فرح مرقه

اترك رد