الترامبيون ليس جديدا على وجه أمريكا الآخر

60

كتب ٠د. ماجد الخواجا
تحتل الولايات المتحدة المركز الأول في العالم من حيث ثروتها المادية وتقدمها العلمي. كما تتبوأ المكانة الأولى من حيث حجم الناتج القومي الذي تخطى 21 تريليون دولار.
بلاد العم سام.. الحلم الأمريكي.. بلاد الديمقراطية.. بلاد الحرية.. بلاد جورج واشنطن ومارتن لوثر.. هي ذاتها بلاد العنصرية، والقتل بلا سبب، بلاد المشردين Homeless ، بلاد شنت حروبا بغير هوادة وبدون مبرر على كوريا وفيتنام وأفغانستان والعراق، بلاد وقفت رافضة لأي قرار أممي ضد ربيبتها الكيان الصهيوني.. بلاد تلاعبت في مجلس الأمن الدولي لخدمة قضايا غير إنسانية وغير عادلة وغير محقة..بلاد الكاوبوي الذي أباد أمة بأكملها من شعوب الهنود الحمر.. بلاد تحتوي أسوأ المعتقلات في العالم ولن يزول من ذاكرة الشعوب معتقل غوانتانامو البغيض.. وسجن أبو غريب الذي مارس فيه الجيش الأمريكي كل فنون التعذيب والتوحش على المعتقلين فيه.. بلاد كانت حتى بداية الستينيات من القرن الماضي تعلي من شأن الرق والاستعباد والتعالي العرقي على سائر الأعراق البشرية وخاصة العرق الأسود الذين تم استجلابهم كالحيوانات في سفن وحشرهم فيها من أجل بيعهم للسيد الأبيض ليعملوا في مزارعه ومن ثم في كل عمل وضيع يترفع السيد الأبيض عن ممارسته.
بلاد كانت لعقود مضت تخصص في الحافلات العامة مقاعد للبيض في الأمام فيما السود يقفون في الخلف.. وتخصص مشارب مياه للبيض، يمنع على السود الشرب منها.. بلاد غيرت مبادئها أكثر من مرة بهدف تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى.. حين استجلبت العبيد والمكسيكان واللاتينيين، كانت تبحث عن مصالحها، وحين قرر ترامب رفع جدار على طول الحدود مع المكسيك، فهو أيضا كان قرارا لمصلحتها.
حين تفتح باب منح التأشيرات والإقامة فهي تبحث عمن يناسب حاجاتها، وحين تمنع مواطني دول محددة من التأشيرات أو اللجوء، فهي لا تكترث بحقوق الإنسان، بقدر ما يعنيها مصالحها.
بعد الحرب الأهلية الأمريكية وإعلان لينكولن « قانون تحرير العبيد » سنة 1862 الذي لم يكن أكثر من سراب في حينه حيث انتظر الأفارقة حتى سنة 1964 تاريخ إعلان قانون الحقوق المدنية الذي حظر التمييز في الأماكن العامة والعمل، ثم في السنة التي تلتها 1965 صدر قانون حق التصويت ومعه بدأ السود في الاندماج شيئا فشيئا بشكل فاعل في المجتمع الأمريكي. لكن تحت الرماد جمر العنصرية ما زال مشتعلا وما حدث قبل سنة يؤكد ذلك لجورج فلويد الأسود الذي طلب أن يتنفس تحت وقع حذاء رجل أمن أبيض يضغط على رقبته ليموت.
لقد كشف ترامب أصدق وأسوأ ما في أمريكا التي أظهرت كمية الحقد على العالم بأسره وفي المقدمة منه الأفارقة والعرب واللاتينيين والآسيويين.
لو فاز ترامب، لكان من الصعب على الولايات المتحدة أن تمضي قدما بدون الدخول في حالة “فقدان ذاكرة جماعي”. إن فترة رئاسة ترامب شهدت تخريبا واسعا لأعراف سياسية..
لقد أوهمتنا أمريكا أنها تحارب داعش والإرهاب .. لكنها أفاقت ذات غفلة ليظهر وجه آخر لأمريكا يشبه تماما وجه داعش التي صنعوها وزرعوها وألبسوها لبوس العرب…
إن الكتاب الذي أصدره حديثا مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون والذي جاء تحت عنوان “الغرفة التي شهدت الاحداث”، مازال حديث الساعة في أمريكا والعالم، فالكتاب يرسم صورة تافهة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فهو رئيس جاهل ومتهور وفقير الإطلاع بشكل مذهل بأبسط الحقائق الجغرافية.
كما أظهر الوجه المنفلت وغير المنضبط للقرار الامريكي والسياسة الامريكية، بل إن الضجة التي أثارها الكتاب كشفت أيضا عن حقيقة الشخصيات التي تقود أمريكا، بولتون الذي كان يشغل منصب مستشار الأمن القومي، يصف ترامب بأنه متهور وجاهل وغير مؤهل لقيادة أمريكا، بينما يصف ترامب بولتون بأنه أحمق ومجنون، فيما وصف وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، بولتون بأنه خائن،!. هؤلاء هم واجهة القيادة الأقوى في العالم ما بين ” متهور وجاهل وبين أحمق ومجنون وبين خائن”
لقد حاول كل من جيف سيمون ونعوم تشومسكي مسح جرائم الأمريكيية حيث في ليبيريا قتل في أوائل عقد التسعينيات أكثر من 150 ألف شخص ، وقتل الآلاف في زائير ( وأرغم نصف مليون شخص على هجر منازلهم بسبب التطهير العرقي )، وشرد مليون نسمة في سيراليون ، ومات زهاء 60 ألفا في الحرب والمجاعة عام 1990 وحده ، وفي أنغولا مات 20 ألفا أثناء حصار منظمة يونيتا لمدينة كويتو الذي استمر 8 أشهر، وهو حدث بين أحداث مماثلة عدة للسياسات الاستراتيجية الأمريكية في إفريقيا التي لا يكشف عنها.
أما لو أردنا الحديث عن الملايين التي أبيدت باسم الحرية الأمريكية المزعومة في كوريا وفيتنام ولاوس وكمبوديا واليابان والصين، فهذه تتطلب مقالة لوحدها.
الوجه الآخر لأمريكا في الفقر والجوع واليأس والظلم , بتنا نرى في أمريكا قمع الحريات وإلغاء الرأي الاخر وإرهاب الدولة واستبداد الحاكم وتغليب نزعة النخبة على مصلحة الأمة وتسييس الدين وتجيير القضاء وهيمنة الآلة العسكرية على الفكر المستنير وتجاوز القانون وانعدام القيم والاقبال على المخدرات وانتشار الجريمة. والأخذ بالعامل المالي الذي يعلو كل شيء.
طبعا إضافة للحلم الامريكي في العلم والثقافة والمعرفة والاقتصاد والتي جعلت الكثيرين يشدون الرحال لأرض المستقبل ولا يرون الوجوه الأخرى السيئة ” لماما أمريكا” التي نحبها ونكرهها بآن واحد, وليست كبقية الأمهات اللاتي لانملك إلا أن نحبهن فقط. ماما أمريكا هي الأم الوحيدة في الدنيا التي لا نتمنى لها البقاء تاجا فوق رؤوسنا, بل سنسعد بدحرجتها بأية طريقة.
في تقرير صادر عن مركز القانون الوطني لمكافحة التشرد والفقر، وهو مركز أميركي غير حكومي، إن نحو ثلاثة ملايين أمريكي يعيشون تجربة التشرد سنويًا في الولايات المتحدة، من ضمنهم 350 ألف طفل. فيم تبين أن 25 % من سجناء العالم يوجدون في سجون الولايات المتحدة، وهناك 2،5 مليون في السجون ومراكز التوقيف، و 4،5 مليون تحت المراقبة.
أما الأمية فتتحدث الأرقام الأميركية عن تفشيها بنسبة تصل إلى 19 في المئة في صفوف السكان، وأن هناك ما يربو على 40 مليون أميركي ممن لا يحسنون الكتابة أو القراءة، بشكل أو بآخر.
وتتحدث ثلاثة تقارير مستقلة نشرها موقع « تقرير واشنطن http://www.taqrir.org عن مشكلات التعليم في أميركا عموما، وأزمة الأمية على نحو خاص.
وتشير الإحصاءات الخاصة بمعدل القراءة والكتابة في الولايات المتحدة – كما وردت في تقرير واشنطن – أن هناك نحو 19 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة إما أنهم لا يعرفون القراءة والكتابة مطلقا، وإما أنهم لا يمتلكون مهاراتها الأساسية أو القدرة على التوقيع ومعرفة الأرقام واستخدامها في عمل معادلة حسابية بسيطة جدا. يوجد جزء كبير من هؤلاء في المناطق الحضرية، يتوزعون بين الذكور السود بالأساس داخل الفئة العمرية الأربعينات والخمسينات، كما يعانون في معظمهم من البطالة أو عدم القدرة على العمل، وانخفاض الدخول، أو العمل في وظائف وأعمال غير ماهرة مثل العمل في المطاعم أو غسيل الملابس في المستشفيات أو غيرها من الأعمال التي لا تتطلب أية أعمال كتابية.
كما أن هناك أكثر من 20 مليون أميركي يتلقون شكلاً من أشكال مساعدات البطالة. وهناك 54 مليون جائع في أمريكا. هناك 150 ألف إصابة بفيروس كورونا يوميا.
ترامب الغبي الأهوج الأرعن عمل كالثور الذي قتل صاحبه.. ها هو يخرج من البيت الأبيض وقد جعل الحزب الديمقراطي يفوز بالمجلسين والرئاسة معا. لكن يحسب له أنه أظهر وجه أمريكا المتناقض والمعبر عنه في شخص ترامب متعدد الجنسيات وعديم الملامح إلا أنه حارب كل الجنسيات. لقد خبا الحلم الأمريكي وأصبح الكابوس الثقيل على قلوب الأمريكيين.

اترك رد