عودة يكتب للأردن اليوم: أوامر دفاع اقتصادية

156

كتب للأردن اليوم: م. عماد عودة

بداية لا انكر انزعاجي من الاجراءات الحكومية المشددة التي طالت كافة مناحي الحياة في الاردن خصوصا انني بعيد كل البعد عن الطب وعلومه ولم ادرك حجم التحدي الذي فرض على الاردن من كائن غير حي لا برى بالعين المجردة اقعد البلاد والعباد منذ أشهر ولا يبدو عليه نية الرحيل ابدا.
ظننت في بداية الامر ان حكومتنا كغيرها من حكومات العالم تبالغ في ردة فعلها تجاه هذه الجائحة التي حلت على كوكبنا دون استئذان وقد تأثرت كثيرا بصراخ عمال المياومة واصحاب الشركات والمصالح من كل حجم ، شأني شأن كل متلقي للاخبار دون ان يشارك في صنعها.
في دراسة علمية حديثة مشتركة لجامعة اكسفورد وهارفارد واستراليا الوطنية تناولت السيناريوهات المتوقعة لانتشار فايروس كورونا المستجد في جميع دول العالم تبين بوضوح حجم الكارثة المتوقعة على حياة الناس وتربط النتائج بتصرفات الدول في اربعة سيناريوهات محددة للتعامل مع انتشار العدوى.
الاردن بملايينه العشر تقريبا كان احد محطات الدراسة التي تغطي الفترة من اول شهر مارس 2020 وحتى سبتمبر من العام نفسه وتعطي رسما بيانيا مرعبا في تفاصيله ويبين الفرق الهائل بين النتائج مقارنة بالاجراءات الحكومية المتخذة كالتالي .
السيناريو الاول المبني على مناعة القطيع بمعنى ان لا تقوم الدولة باخذ اي اجراء بخصوص التباعد الجسدي والمواصلات ومنافذ الدولة وهذا سيعني ان نسبة العدوى في هذه الحالة مع نهاية الشهر الخامس من هذا العام ستتراوح بين 260000 الى 510000 انسان لاسمح الله.
السيناريو الثاني ويتضمن عزلا جزئيا وذلك باغلاق المطارات والموانيء امام التنقلات غير الضرورية مع ابقاء العجلة الاقتصادية تعمل وهذا سيجعل معامل انتقال العدوى ينخفض وسينتج اصابات محققة تتراوح بين 6500 و 81000 مواطن لاسمح الله.
السيناريو الثالث والمتضمن العزل المشدد ووقف الطيران والموانيء ولزوم المنزل وهذا سيخفض معامل الاصابة مما يعني اصابات بين 2000 الى 3000 مواطن بالفايروس.
السيناريو الرابع وهو سيناريو الاغلاق التام سيعني بالتاكيد نسب اصابة اقل من السيناريو الثالث رغم كلفتة الاقتصادية الباهظة وهذا السيناريو الذي اعتمدته الحكومة مع بعض التصرف.
بمقارنة السيناريوهات الاربعة اجد ان الفارق بين حكومة تتصرف بحزم مبكرا وبين حكومة تفكر في الاقتصاد فقط على حساب النفس البشرية هو الفارق بين اصابة بضع مئات من الناس مقارنة مع نصف مليون اصابة .
امام هذه الارقام المرعبة اجد نفسي شاكرا لما فعلته الدولة الاردنية داعيا الجميع للتامل في هذه الارقام فهؤلاء ابائنا وابناؤنا واخواننا ولتذهب الثروة والمال الى الجحيم مقابل حياة الناس.
الان وقد استقر الوضع الوبائي محليا ومع تباشير العيد بدأت حكومتنا في التفكير في اعادة العجلة الاقتصادية الى الدوران ومحاولة امتصاص ما ترتب على قوانين الدفاع من اثار اقتصادية مؤلمة سنعاني منها طويلا ما لم نستخلص العبر من التجربة التي مررنا بها.
لا ادري اذا كانت حكومتنا قد شعرت بذلك الدفء في العلاقة بين المواطن وبينها خلال الازمة وكيف كان الناس يقبلون على اوامر الدفاع بكل رضا ويتقبلون نتائجها مع علمهم الاكيد بان لهذه القوانين اثارا واثمانا سيدفعونها من جيوبهم لا محالة لكن الاكيد عندهم كان ان ثقتهم بالطاقم الوزاري وقبولهم للرواية الرسمية كان في اعلى مستوياته تاريخيا وهو ما يفسر قبولهم لهذه القرارات دون لأي او تذمر.
الحكومة الان امام فرصة تاريخية لاستعمال قوانين الدفاع مرة اخرى ولكن ليس لمواجهة الفايروس المستجد ولكن لمواجهة الجائحة الاقتصادية التي تعصف بالمواطن الاردني منذ عقود نتيجة لغياب التخطيط السليم ولكثرة الفسدة وسراق المال العام.
ما الذي يمنع الحكومة الان من فتح كافة الدفاتر القديمة واستعادة الثروة المنهوبة من جيوب الدولة والمواطن على حد سواء ولماذا لا تصدر قوانين دفاع جديدة تسأل من اين لك هذا وتعيد الى خزينة الدولة كل ما اخذ منها بغير حق خصوصا خصخصة المؤسسات العامة والتي كانت تبيض ذهبا وترفد خزينة الدولة بالمال سنويا.
على صعيد اخر تستطيع الحكومة الان سن قوانين دفاع جديدة لزيادة المساحات المزروعة في الاردن وزيادة عدد المصانع والزام كافة الميسورين بالاستثمار الايجابي محليا في الصناعة والزراعة فلا خير فينا ان بقي قمحنا مستورد ولباسنا ودوائنا مستورد كذلك.
لماذا لا تصدر الحكومة قوانين دفاع تعطي اولوية الانفاق للتعليم والصحة فالشعب سيربط الحزام ولعقود قادمة اذا كان الهدف تعليما راقيا ومؤسسات بحثية تاخذ بايدينا الى مستقبل واعد.
لو اخذت حكومتنا هذا المنحى فسوف تجد دعما شعبيا لا سابق له وسوف يتوحد الشعب بكل اطيافه خلف حكومته وستتمكن هذه الحكومة من الضرب بيد من حديد على كل من طاله فايروس الفساد وسيصبح الاردن مرة اخرى مثالا يحتذى به في خطة التغلب على نتائج كورونا الاقتصادية كما كان مثالا في التصدي للفايروس صحيا واجتماعيا.
حما الله الاردن شعبا وقيادة والله من وراء القصد.

اترك رد