سلامة الدرعاوي يكتب: المصارحة الاقتصاديّة مطلوبة
الكثيرُ مستاءٌ من اقتراض الحكومة ما يقارب الـ 1.4 مليار دينار خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لأنه يزيد من العجز وبالتالي سترتفع المديونيّة، وهم على حق.
وآخرون مستاؤون من لجوء الخزينة لاقتراض ما يقارب الـ 400 مليون دينار من صندوق أموال الضمان الاجتماعيّ خلال الأشهر الثلاثة الماضية بواسطة سندات، وهم أيضاً على حق.
وهناك استياء من أن الأمانة اقترضت 10 ملايين دينار، متسائلين عن السبب في اللجوء لمثل هذا الاقتراض في هذا الوقت تحديداً، وهم محقون في ذلك.
تساؤلات الشّارع عن الاقتراض المتنامي للحكومة ومؤسساتها المختلفة يقابله تقاعس إعلامي حول تقديم الإجابة الصحيحة عن هذه التساؤلات، السمة الأبرز في السلوك الحكوميّ هو غياب المصارحة في حيثيات الشأن الاقتصاديّ، لدرجة أن المواطن بات في غيبوبة عن المعلومة الاقتصاديّة الصحيحة الواقعيّة، ولا يوجد خطاب صريح يكشف للمواطنين طبيعة التحديات والمستجدات التي عصفت وما تزال تعصف بالاقتصاد الوطنيّ، لذلك لا ألوم المواطنين بإثارة التساؤلات والانتقادات للحكومة على سلوكياتها الاقتصاديّة، خاصة وأن الحكومة قالت لهم إن الرواتب متوفرة لعامين كاملين، فلا داعي للقلق، في الوقت الذي كان من واجب الحكومة التي التزمت بدفع الرواتب كاملة وجميع الالتزامات الأخرى أن تقول للشّارع أنها استدانت داخليّاً من البنوك والضمان الاجتماعيّ لتمويل هذه النفقات الثابتة، وهذا أمر طبيعي في ظل شبه توقف للمساعدات الخارجيّة والتحصيلات الماليّة الداخليّة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
نعم، الحكومة استدانت لسدّ النقص الحاصل في مخصصات الرواتب ودفعات الدين الداخليّ والخارجيّ معاً، ولتمويل النفقات الطارئة التي طرأت على الخزينة، خاصة في المجهود الصحيّ لمكافحة الوباء الذي شلّ عجلة الاقتصاد الوطنيّ، وهذا العمل يسجل للحكومة التي تعاملت برقي مع مواطنيها ودفعت كامل رواتب القطاع العام وهم جلوس في بيوتهم لما يزيد على الثلاثة أشهر، بينما الغالبية من نظرائهم في القطاع الخاص انخفضت رواتبهم للنصف أو أنهم حرموا منها نتيجة توقف الكثير من أعمال الشركات، في حين أن الذين حصلوا على كامل رواتبهم هم شريحة قليلة نسبيّاً مقارنة مع الغالبية التي انخفضت دخولها.
يتساءل البعض عن المبررات التي دفعت الحكومة لإيقاف العلاوات والزيادات التي أُقرّت في بداية العام للعاملين في القطاع العام والمتقاعدين والعاملين في الأجهزة المدنيّة والعسكريّة، والتي ستوفر الخزينة منها ما يقارب الـ 170 مليون دينار حتى نهاية العام الجاري، وأسباب تغيير اتجاهات دعم الخبز بقيمة 134 مليون دينار في هذا الوقت.
الحكومة الصامتة كان باستطاعتها أن تجيب عن هذه التساؤلات بكل صراحة ومسؤولية وتقول للمواطنين إننا في الاقتصاد الأردنيّ الذي توقفت كُلّ أنواع المساعدات الاستثنائيّة عنه، مصحوبا بتراجع التحصيلات الضريبيّة للخزينة بات اليوم بأمس الحاجة لكل دينار من أجل توزيعها على أكبر شريحة اجتماعيّة متضررة من تداعيات كورونا التي أدخلت ما يقارب الـ400 ألف عامل مياومة إلى شريحة خط الفقر المدقع، بعد أن فقدوا كامل دخلهم نتيجة توقف أعمالهم بموجب الحظر، وبالتالي هؤلاء بحاجة إلى مدّ يد العون لهم لأنهم يحتاجون لمن يعينهم على تأمين قوت يومهم لا أكثر، وهذه الشريحة لها الأوليّة في الرعاية على باقي العاملين حتى الذين يتقاضون دعماً مباشرا أو غير مباشر من الحكومة، وتوفير الأموال لدعمهم أولويّة على تقديم دعم الخبز لأصحاب الدخول المتوسطة والمتدنيّة، وأولويّة أيضاً على تقديم زيادات وعلاوات للعاملين أيضاً في هذه المرحلة.
وهذا الأمر ينطبق على الأمانة التي توقفت تحصيلاتها من كافة الرسوم وقامت بتأجيل غالبية دفع رسوم خدماتها بسبب تعطل الأعمال، وبالتالي فإن لجوءها للاقتراض أمر حتمي لتأمين رواتب العاملين لديها والذين غالبيتهم يجلسون في بيوتهم دون عمل.
على الحكومة أن تخاطب المواطنين اقتصاديّاً بكُلّ صراحة وتضع المعلومة الصحيحة أمام أيديهم حتى يدركوا حجم التحديات الحقيقية التي تحيط بالاقتصاد، وأن تقول لهم بأن الخزينة تحتاج كُلّ شهر إلى ما يقارب الـ580 مليون دينار لتمويل كافة التزاماتها الداخليّة والخارجيّة، وإن اقتراضها سواء من الضمان أو من البنوك أو من الخارج هو عملية ضرورية وتاريخيّة وليست وليدة أزمة كورونا، فالاقتصاد في أحسن ظروفه يعاني من عجز لا يقل عن مليار دينار بعد المساعدات الخارجيّة، بمعنى أن هناك عجزا شهريا في الخزينة يتراوح بين (70-100) مليون دينار على أقل تقدير يجري تأمينها بالاقتراض الداخليّ والخارجيّ معاً، وبالتالي فإن الاقتراض الأخير هو لتمويل الرواتب والنفقات الطارئة وليس للرفاهية والسفر وغيرها، كما يتحدث به البعض، وكُلّ ما حصلت عليه الخزينة من قروض صندوق النقد الدوليّ والاتحاد الأوروبي والمنح وتأجيل دفع العلاوات والزيادات الشهريّة وإيقاف التعيينات لا يعادل مصاريف شهر واحد فقط لا غير، والباقي عندكم.